د. وائل إبراهيم الدسوقي..
بحلول عام 1892، كان هناك العديد من
شركات تصنيع المطاط في الولايات المتحدة الأميركية، والتي تطورت أعمالها حتى أنشأ "تشارلز
داو" في 26 مايو 1896 شركة المطاط الأمريكية. واستمر عملها بشكل تقليدي حتى عام
1906، ذلك العام الذي شهد طفرة اقتصادية عظيمة في مجال الاستثمار في المطاط. فقد شهد
إنشاء شركات أمريكية جديدة لزراعة المطاط في البرازيل بقوانين مشرعة، كما شهد أيضا
وجود منافس قوي، تمثل في المطاط الآسيوي، حتى ان الأخير سيطر على السوق العالمية
بشكل هدد الاقتصاد الأميركي.
ودخلت الشركات الأميركية نتيجة
المنافسة الآسيوية في تحد كبير، خاصة في حقبة الثلاثينيات من القرن الفائت. وظهرت
علامات تجارية جديدة مثل جيليت، وارد، وأطلس، وغيرها. وفي عام 1940، اشترت شركة
المطاط الأميركية ما تبقى من شركة جيليت، وبدأت في توسيع وتحديث مصنعها، مما أدى
إلى زيادة الإنتاج بشكل كبير، وساعدها في ذلك التوسع في زراعة المطاط في البرازيل.
وخلال الحرب العالمية الثانية، كانت مصانع المطاط الأمريكية مكرسة لإنتاج السلع
الحربية، فأنتجت إطارات الشاحنات والطائرات العسكرية، بالإضافة إلى الأحذية العسكرية
الخاصة للجنود ومشاة البحرية الذين يخدمون في البيئات الاستوائية والغابات. واحتلت
شركة المطاط الأميركية آنذاك المرتبة 37 من حيث قيمة عقود الإنتاج في زمن الحرب.
وفي عام 1942، فرضت حكومة الولايات
المتحدة قيودا على بيع منتجات المطاط للاستخدام المدني، فتضاءل الإنتاج بشكل
ملحوظ. فقامت شركة المطاط الأميركية ببيع مصنعها إلى الحكومة، والتي قامت بعد ذلك
بتحويله لتصنيع ذخيرة ذات عيار صغير. وبحلول 31 ديسمبر 1943، فاقت الحاجة إلى
الإطارات المطاطية حاجة الجيش إلى الذخيرة، فأعادت شركة المطاط الأميركية شراء
المصنع من الحكومة بأكثر من مليون دولار، وحولته مرة أخرى إلى إنتاج الإطارات
المطاطية الاصطناعية والمنتجات الحربية المرتبطة. وبدأت الشركة برنامج توسعة
وتحديث في المصنع استمر حتى عام 1965.
وفي دراسة مهمة تحت عنوان
"العلاقات التجارية بين أميركا والبرازيل" أصدرتها دار العربي للنشر
والتوزيع بالقاهرة في مطلع العام الجاري، تناولت الدكتورة "كريمة السيد
النجار" مدرس التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب جامعة الزقازيق، حالة
الاستغلال الاستعماري للشركات الأميركية العاملة في مجال زراعة وتصنيع المطاط،
التي أثرت على أحوال المجتمع البرازيلي الزراعية والصناعية والتجارية والاجتماعية
والسياسية والعسكرية. ومن جانب آخر ركزت على علاقة هذه الشركات بالأرض ورأس المال
والعمالة البرازيلية.
ومن المعروف أن دخول الإمبريالية الأميركية
إلى البرازيل، سمح بامتلاكها سبل الإنتاج على نطاق واسع، نظرا لإمكانياتها المالية
الضخمة، حتى أصبحت قوة كبرى، ودولة داخل الدولة، معتمدة في ذلك على نمطين من
الأنماط الاقتصادية، عرِف الأول باسم "نمط الاقتصاد الاستيطاني"، وتمثل
في إنشاء عدد كبير من شركات زراعة المطاط بالبرازيل، ثبت أقدامه بمجموعة من
القوانين والتشريعات سنتها البرازيل بإيعاز أميركي، تمكنت بواسطتها من فرض سيطرتها
على اقتصاد الدولة بأكمله، ومن تحقيق أرباح ضخمة. أما النمط الثاني فعرف باسم "نمط
الاقتصاد الاستخراجي"، وتمثل في عمليات جمع المطاط، واستغلال الموارد البشرية
بشكل سافر. وتذكر الدكتورة "كريمة" أن الشركات الأميركية عاملت السكان
الأصليين (الهنود الحمر) معاملة قاسية وحشية، وصلت إلى خطف أطفالهم ونسائهم، وترتب
على ذلك موت أعداد كبيرة منهم، مما أحدث خللا كبيرا في التركيبة السكانية للمجتمع
البرازيلي.
وختمت الدكتورة "كريمة
النجار" دراستها عند عام 1945، نظرا لانتهاء عمل شركات المطاط الأميركية في البرازيل
وانسحابها، وانتهاء الطفرة المطاطية التي حدثت بفضل ذلك البلد الذي تم استغلاله أسوأ
استغلال. تلك الدراسة التي قامت على منهج تاريخي موضوعي تحليلي سليم، استخدمت فيه الأدوات
التحليلية، النوعية والكمية بشكل جذاب، وقسمتها إلى فصل تمهيدي عن دور الشركات
الأميركية في تجارة المطاط مع البرازيل قبل عام 1906، وستة فصول، تناول أولها موضوع
عن وسائل النقل التي أنشأتها الشركات الأميركية في البرازيل، والثاني عن الدور
الزراعي والصناعي لشركات المطاط الأميركية في البرازيل، والثالث عن الدور المالي،
والرابع الدور التجاري، والخامس عن الدور الاجتماعي، والأخير عن الدور السياسي
والعسكري.
لقد كشفت الدراسة التي كانت في الأصل
رسالتها للدكتوراه، عن جانب جديد لم يتم تناوله من قبل من جوانب التاريخ الاقتصادي
الأميركي، والذي كان له دور كبير في تلك المرحلة التاريخية التي تناولتها الدكتورة
"كريمة النجار" بالدراسة والفحص الدقيق، حتى تخرج لنا بهذا السفر الذي تبنته
دار العربي وأضافته إلى المكتبة العربية.
الكلمات المفتاحية:( الأكثر بحثا على جوجل )
