Responsive Ads Here

الاثنين، 5 مايو 2025

تاريخ علم المصريات


الكتاب: تاريخ علم المصريات.

تاريخ النشر: 2014 القاهرة.

المؤلف: د. وائل إبراهيم الدسوقي.


تقديم بقلم: أ.د/ أحمد زكريا الشلق .. 

كتب الدكتور "دونالد مالكولم ريد" في كتابه المتفرد "فراعنة من؟ علم الآثار والمتاحف والهوية القومية المصرية من حملة بونابرت حتى الحرب العالمية الأولى" منبها إلى أن المؤرخين المصريين المعاصرين قد ارتضوا أن يتركوا تاريخ علم الآثار للآثاريين ولهواة الكتابة من غير المتخصصين، مما أدى إلى نقص في دراسة علم الآثار، فبالرغم من أن كتابة الآثاريين فيه مطلوبة، إلا أن مؤرخي مصر الحديثة أقدر على وضع تطور ذلك العلم في سياق تاريخ مصر الحديث..
وما إن قرأت هذه العبارة في الترجمة الممتازة للدكتور رءوف عباس، والتي صدرت عن المشروع القومي للترجمة بالقاهرة عام 2005 حتى أخذتني الدهشة ورحت أبحث فيما نشرت المدرسة التاريخية المصرية الحديثة في هذا المجال، فلم أجد سوى إشارات هنا وهناك حول بعض الموضوعات والعلماء دون دراسة علمية مباشرة أو شاملة تضع علم الآثار أو المصريات في سياقه من التاريخ العلمي والثقافي لمصر الحديثة.
والواقع أن كتاب الدكتور "ريد" الأستاذ بجامعة جورجيا بالولايات المتحدة الأمريكية، والذي صدر بالإنجليزية عام 2002 عن جامعة كاليفورنيا، قد تناول نشأة هذا العلم وتطوره في مصر ليس فقط من خلال التأريخ للهيئات والمؤسسات (من متاحف وجمعيات) والعلماء فقط، وإنما كان ديدنه طوال الكتاب البرهنة على علاقة العلم وتطوره بقضية الهيمنة الإمبريالية الغربية ورد الفعل الوطني المتمثل في تأكيد الهوية المصرية وتمصير العلم ومنجزاته، فعالج الكيفية التي تناول بها الوطنيون، من المصريين، وكذلك الأوربيون، ومعظمهم من الإمبرياليين، الحقبة الممتدة من اكتشاف الجنود الفرنسيين لحجر رشيد بالصدفة عام 1799 ثم فك شامبليون طلاسم اللغة المصرية القديمة عام 1822، وكيف نشأ وتطور علم المصريات على امتداد القرن التاسع عشر وحتى بداية الحرب العالمية الأولى عام 1914.
وبدا واضحا كما لفت ريد الانتباه، إلى أن الذين احتلوا البطولة على مسرح علم الآثار المصرية هم شامبليون وأدولف إرمان ومارييت وماسبيرو وبتري وكارتر وبرستد وغيرهم، بينما حجبت الظلال المصريين باعتبارهم ملاحظي عمال وخدم مخلصين، وعمال ولصوص جبانات، وتجار عاديات وموظفين معوقين للعمل ووطنيين مهووسين!! وهذا يفسر كيف سار علم المصريات في ركاب الهيمنة الإمبريالية الغربية، من علماء ورحالة وقناصل، ممن كانوا يرون أن أهل البلاد لا حق لهم في الآثار المكتشفة، فهم لا يقدرون قيمتها ولا يعنيهم من أمرها إلا ما قد يدره عليهم بيعها من أموال، وأن الأولى بها هم هؤلاء الأوروبيون الذين اكتشفوها وأفردوا لها الأماكن اللائقة بها في متاحفهم باعتبارها تراثا إنسانيا، لا علاقة للمصريين "المتخلفين" بما يتم العثور عليه من آثار بلادهم!
إن أحدا لم يحفل لاهتمام الجبرتي والطهطاوي وعلي مبارك بالآثار وبتاريخ مصر القديم، وما تدل عليه كتاباتهم من وعي بالقيمة التاريخية لما في أرض مصر من شواهد أثرية تدل على تراثها الحضاري العريق، ومن ثم يصبح اتهام المصريين خصوصا والعرب عموما، بعدم إدراك القيمة التاريخية للحضارات القديمة التي قامت في بلادهم مجرد مبرر لاستلاب المصريين آثارهم الثمينة لتعمر بها متاحف أوربا ولتزدان ميادينها بالمسلات المصرية كما يذكر رءوف عباس في تقديمه لكتاب "ريد".

وكذلك جاء هذا الكتاب الذي بين أيدينا ليجلو القيمة الأساسية لإنجازات أجيال من الآثاريين المصريين، على رأسهم أحمد باشا كمال – أبو الأثريين المصريين – ومحمد شعبان وحسين كمال وسليم حسن وعلي بهجت وسامي جبرة ومصطفى عامر وباهور لبيب، وجيل الأكاديميين من أمثال عبد العزيز صالح وأحمد بدوي وأحمد فخري وغيرهم..
لقد جاء هذا الكتاب حصيلة نقاش تمهيدي بيني وبين مؤلفه الدكتور وائل الدسوقي، وهو أحد تلامذتي المخلصين لتخصصهم، عندما لفت انتباهه لدراسة الموضوع، وكان قد انتهى لتوه من إعداد رسالته للدكتوراه عن المؤسسات العلمية والثقافية في مصر القرن التاسع عشر عام 2011، وكتب فيها فصلا عن تاريخ مؤسسات الآثار التاريخية، وقد حثثته على أن يعد كتابا عن تاريخ علم المصريات، فتحمس للفكرة وعكف منذئذ على دراسة الموضوع، وكان من ثمرته هذا الكتاب الذي أسعد اليوم بتقديمه للقراء وعامة المثقفين.
وفي هذا الكتاب قدم وائل عرضا تاريخيا لنشأة وتطور الاهتمام بالمصريات منذ العصور القديمة، وبالتحديد منذ هيرودوت، وحتى العصر الحديث، وكيف تحول الوعي من الطابع الخرافي الأسطوري إلى علم حديث، وصور كيف تغيرت النظرة عند العرب والمسلمين من كون الآثار من أساطير الأولين وأعمال الجهال والكافرين، بعد محاولاتهم فهم رموز اللغة المصرية القديمة، من ابن وحشية وابن عبد الحكم والمسعودي والسيوطي، حتى جهود علماء الغزوة الفرنسية وشامبليون.. كما قدم المؤلف فصلا مهما درس فيه كيف تحولت المصريات إلى علم من العلوم الرئيسية التي تسابقت جامعات العالم لتخصيص أقسام بها لدراسته، وكيف تطور الوعي بضرورة حفظ الآثار المصرية، من خلال إنشاء أماكن لها وتخصيص إدارة حكومية ترعى النشاط الأثري، فضلا عن سن قوانين لحفظها وتنظيمها، وأبرز التنافس الأوروبي للسيطرة على ذلك كله، وكذلك نشاط هواة جمع الآثار والمتاجرين بها ولصوصها، وهو ما اقتضى من محمد علي إصدار قرارات لمنع الاتجار بالآثار وتجريم تهريبها وتخريبها، ثم تأسيس "مصلحة الآثار التاريخية" أو "مصلحة الأنتيكات"، والصراع الإنجليزي الفرنسي على إدارتها في أواخر القرن التاسع عشر، وحتى جرى تمصيرها في عهد ثورة يوليو 1952..

عالم الآثار الفرنسي اتين دريتون
وقد خصص المؤلف فصلين مهمين عن تأسيس وإنشاء المتاحف ودور حفظ الآثار المصرية بمختلف عصورها، بدأهما بدراسة التطور التاريخي لمتاحف الآثار المصرية القديمة، منذ جمعها وتخزينها بالأزبكية عام 1836 ثم تأسيس الأنتكخانة المصرية في بولاق وافتتاحها عام 1863، ثم انتقالها إلى سراي الجيزة عام 1890، إلى أن تم إنشاء وافتتاح المتحف المصري عام 1902. وثنَّى بعد ذلك بدراسة تاريخ إنشاء متاحف الآثار اليونانية والرومانية، ثم الآثار الإسلامية والقبطية. وقدم المؤلف فصلا خصصه لدراسة تاريخ مدارس ومعاهد وجمعيات الآثار والتاريخ المصري، بدءاً بالجمعية المصرية بالقاهرة عام 1836 ومرورا بمدرسة اللسان المصري القديم (1869) فمدرسة الآثار التاريخية المصرية (1882) ثم المعهد الفرنسي للآثار الشرقية (1898) والذي حمل في بداية عهده اسم المدرسة الفرنسية للآثار منذ عام 1881، وأردف ذلك بالتأريخ لمكتب صندوق استكشاف مصر، وهو صندوق إنجليزي تأسس بالقاهرة منذ عام 1882، وجمعيات التاريخ والآثار القبطية، فضلا عن بعض المؤسسات الأوروبية المهتمة بمجال الآثار والتاريخ، والتي أنشئت بالقاهرة.
وأخيرا تحية للمؤرخ الشاب الدكتور وائل إبراهيم الدسوقي على هذا الكتاب القيم الذي أضاف إلى المكتبة التاريخية العربية عملا علميا جادا وموثقا، في مجال نحن في أشد الحاجة إلى الكتابة فيه، وتهاني الخاصة له لإنجاز هذا العمل في مجال التاريخ العلمي والثقافي خدمة لوطن جدير بكل تقدم ورقي ومحبة.



الآن يمكنكم تحميل الكتاب