Responsive Ads Here

الأربعاء، 15 مارس 2023

محمد شحاتة العمدة.. تربيت على السيرة الهلالية والحكايات الشعبية

د. وائل إبراهيم الدسوقي..

كان الكاتب الراحل "عبد الحكيم قاسم" يطلق على القاهرة اسم "أم اليتامى". لم يقصد من هذا التعبير فقدان الأهل، لكنه جاء كدلالة على أن رحيل الكاتب من بيئته الأصلية إلى القاهرة يجعله يتيما، فيحن دوما إلى الكتابة عن بيئته وتجربته الإنسانية فيها، فيقدم لونا يعبر عن رافد رئيسي يقوم بتغذية الأدب بواقع بيئته الثري برقعته العريضة المتناقضة والمتفاعلة. وعلى حد قول الكاتب والناقد "أحمد عبد الرازق" في إحدى مقالاته بمجلة "إبداع" في مطلع تسعينيات القرن الفائت، أننا يمكننا أن نتذوق طعم الماء المالح في عمل يكتبه أديب كان يعيش في مدينة ساحلية.

وهكذا، فالتميز لابد منه، والخصوصية مطلوبة، وهذا ما أبدع فيه "محمد شحاتة العمدة"، ذلك الكاتب المصري الشاب الذي نحتفي به، بعد أن نال المركز الثاني في جائزة الشارقة للإبداع العربي بدولة الإمارات العربية المتحدة لعام 2018، عن روايته الأولى "أم العنادي"، التي تتمحور فكرتها حول حكاية عن جنية كانت تسكن في بستان النخيل بجوار منزله، وكان الجميع يخشى المرور بجوار البستان ليلا خوفا منها، غير أن عقله الطفولي كان يأخذه دائما لهذا المكان، كي يكتشف سر تلك الجنية وطمعا في رؤيتها، وبمرور الزمن ظلت تلك الحكاية في عقله حتى خرجت بهذا الشكل الروائي المبدع، لتستحق واحدة من أرفع الجوائز الأدبية العربية، التي يرعاها بشكل شخصي سمو الشيخ "سلطان بن محمد القاسمي" عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة.

والعمدة من مواليد قرية نزلة القنطرة، مركز البداري، بمحافظة أسيوط، ويعمل مديرا لتحرير سلسلة الثقافة الشعبية بالهيئة المصرية العامة للكتاب، وحاصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في الأنثروبولوجيا الثقافية من جامعة القاهرة. وهو شاعر وباحث في التراث الشعبي والأنثروبولوجيا، صدرت له العديد من المؤلفات منها ديوانه سلام ع الزين "شعر عامية"، دفتر توفير الحب "شعر عامية"، غريق بيحب غرقانة "شعر عامية"، العقيلي واليازية: مربعات مصرية لحكاية عشق إماراتية "شعر شعبي"، كتيبة التنمية: قراءة في أنثروبولوجيا التنمية بدولة الإمارات العربية المتحدة "أنثروبولوجيا تطبيقية"، وبعض الروايات، منها أم العنادي، بائعة الرمان، عوالي. وأخيرا كتابه عن نكبة البرامكة بين التاريخين الرسمي والشفاهي. وقد أجرينا معه الحوار التالي لتعريف القارئ برؤيته في عالم الإبداع.

 

كيف ترى محمد شحاتة العمدة بعد الجائزة؟

لا زلت أعيش صدمة الفرح، وأشعر أن ما مر بي هو حلم جميل منَّ الله عليَّ به، ليتأكد ليَّ أن الإخلاص في العمل والإصرار على النجاح والوصول للأهداف، سيكلله الله بنتيجة طيبة تدمع لها العيون. ولا شك أنني أصبحت أشعر بقيمة ما أكتبه أكثر من ذي قبل، وسوف أسعى للمزيد والأفضل. والجائزة وضعت على عاتقي مسئولية كبيرة، ستجعلني أعيد النظر مرات عديدة فيما سأقدمه في المرات القادمة بإذن الله، ليكون على قدر تلك المكانة التي حصلت عليها، وسوف أواظب على القراءة أكثر، خاصة في مجال الرواية والبحث في مجالات التراث الشعبي المختلفة. 

 

متى بدأ اتصالكم بالأدب؟

كنت في المرحلة الابتدائية متعلق بميكروفون الإذاعة المدرسية، وأعشق إلقاء الشعر، وكانت أولى محاولاتي لكتابة الشعر في الصف الثالث الإعدادي، وزاد الاهتمام أكثر في المرحلة الثانوية وبعد دخولي كلية الحقوق بجامعة حلوان، حيث كنت أشارك في ندوات الشعر والمسابقات في أسبوع شباب الجامعات، ونشرت أول ديوان لي في عام 2000.

 

الكثير من الأعمال على الساحة الأدبية في كافة الفروع هزيلة هشة، مما أربك خارطة الأدب العربي كثيرا خلال السنوات الأخيرة، فكيف ترى نفسك على تلك الخارطة في بلادك؟

أعتقد أن عالم النشر الآن هو السبب في وجود أعمال أدبية هزيلة، وخاصة دور النشر التي لا تلتفت لجودة العمل بل تتاجر في الكتب، فصار الأمر بلا رقابة، مما سمح لأنصاف المواهب بنشر أعمالهم وإرباك الساحة الأدبية.

وبالنسبة لي فلا أسعى خلف القصيدة أو العمل، وأظل لشهور كثيرة لا أكتب إلى أن يأتي موعد الكتابة وولادة عمل جديد، فالإبداع لا يأتي جبرا، والمبدع الذي يلهث خلف عمله سوف يقع في فخ الهشاشة البعيد عن الإبداع والصدق، يكتب لمجرد الكتابة والتواجد فقط، فأنا في غير أوقات الكتابة أشغل نفسي بالبحث العلمي ونشر الأبحاث في المجلات والكتب، والإبداع بالنسبة لي حالة خاصة وثمرة تسقط عندما يحين أوانها.

 

هل تعتبر نفسك شاعرا زلت قدمه في الرواية؟ أم تعتبر نفسك ذلك الأديب الشامل الذي يستطيع المغامرة في أي لون أدبي؟

لا أخفيكم سرا أنني لم أكن أفكر في يوم من الأيام أن أتجه إلى هذا اللون الأدبي، غير أنني كنت مؤهلا لذلك بدون أن أدري، فلقد تربيت على السيرة الهلالية والحكايات الشعبية التي كنت أستمع إليها من أمي وأهل قريتي، فاختمرت تلك الحكايات بداخلي حتى جاء الوقت لتخرج إلى النور، وحتى في قصائدي كنت أميل إلى السرد، وخاصة في المربعات الشعرية ومنها ما تناول حكايات شعبية كاملة مثل حكاية العقيلي واليازية، وهي حكاية بصيغة النثر، وأعدت كتابتها بصيغة الشعر الشعبي وحافظت على الخط الدرامي للحكاية.

 

من الصعب تقييم الكاتب لعمله، خاصة مع التجربة الأولى في كتابة لون معين من الأدب، ولكن هل ترى "أم العنادي" تستحق ما تلقته من ترحاب في الأوساط الأدبية؟ وكيف ترى روايتك بعين المتلقي بعد حصولها على جائزة رفيعة؟

لم يخطر ببالي أن يحظى العمل الروائي الأول لي على تلك الجائزة التي أعتبرها دفعة قوية في مسيرتي الأدبية، ورواية أم العنادي توقع لها بعض أصدقائي المقربين الفوز ومنهم الكاتب والروائي "وليد علاء الدين"، والكاتب "مختار سعد شحاتة"، ولا أعرف ما سر ذلك التوقع منهما حتى الآن، فقد كتبت العمل بتلقائية شديدة، ولم أشغل بالي بفنيات الكتابة أو قواعدها. فقد كانت بداخلي شحنة من المشاعر والذكريات كتبتها بصدق شديد، فمعظم أحداث الرواية هى أحداث حقيقية حدثت معي، أو مع غيري من أهل قريتي.

والحقيقة، أتمنى أن أقرأ روايتي بعين المتلقي، حتى أستطيع تكوين رأي كقارئ لها. فلا زلت أنظر لغلافها حتى هذه اللحظة، ولم أجرؤ حتى على تصفح محتواها.

 

ما هو معيارك الأساسي في تقييمك لأي عمل روائي تقرأه؟ وهل طبقت تلك المعايير أثناء كتابة رواياتك؟

قد أكون مقل في قراءة الروايات، غير أني أرى أن المعيار الأساسي الذي يجذب المتلقي هو الصدق، فكلما كنت قريبا من حياته ومن خياله، كان لعملك أثر كبير عليه وتعلق به، لأنه أصبح صوته الداخلي ومعبرا عن آلامه ومشاعره التي قد يعجز عن التعبير عنها.

وفي رواية أم العنادي على سبيل المثال كانت التلقائية هي الفكرة المسيطرة على قلمي، سردت حياة حسين حبيب أم العنادي بشكل قد يتشابه مع شباب كثر يمرون بتلك المراحل في حياتهم من تخبط، وخاصة فيما يتعلق بعلاقته بالأنثى القلب والأنثى الجسد، وصدرت من خلالها بعض القيم، ومشكلات التربية التي قد تكون سببا في ضياع مستقبل البعض وتخبطهم في الحياة، لعدم وجود ناصح أو مربي واعي.

 

في زمن يقتل فيه الجمع المفرد، ومع كثرة كتاب الرواية، وخاصة من الشباب، هل ترى نفسك قادرا على مقاومة "الجمع" بالاستمرار في السير على طريق كتابة الرواية الذي أصبح شائكا بكثرة من سلكوه؟

حينما قررت أن أكتب في الرواية، اخترت المحلية، أنهل من تراث أجدادي وأهلي في صعيد مصر، فكم من حكايات أحفظها عنهم، تكفي لأن أكتب عشرات الروايات التي تعبر عن تراثنا، وتعيد إنتاجه بأشكال جديدة تناسب المتلقي الآن. فمن يحمل ثقافة وتراث سيختلف عمن يكتب ليجذب فئة معينة، والكتابة من التراث سوف تميز الكتابة العربية عن غيرها من الآداب العالمية، لأنها تعبر عن تقاليدنا وثقافتنا العربية، وتعيد عرضها للعالم، لتأخذ مكانتها القديمة التي فقدتها بسبب تقليدنا للغرب بشكل لا يناسبنا.

 

من هم الذين كان لهم أكبر الأثر في مسيرتك الأدبية؟

كانت أمي رحمها الله، ولا تزال، هى المشجع الأول لي، وحكاية أم العنادي التي كتبت روايتي عنها كانت أمي تحكيها لي وأنا صغير، وأتذكر بعض أساتذتي في المرحلة الإعدادية والثانوية والجامعة أيضا، وفي مجال الرواية كان لدعم الكاتب "وليد علاء الدين" والكاتب "مختار سعد شحاته" وزوجتي الدكتورة "إيمان البطران"، بالغ الأثر في خروج أعمالي للنور. وأعتقد أن الأهل هم المعلم والداعم الأول للمبدع، فأفراح المبدع وآلامه تولد من رحم تجاربه مع الأسرة.

 

كشاعر، هل تعتقد أن الشعر بدأ يتراجع عن مكانته في ميدان الأدب؟

أعتقد أن الشعراء أعدادهم تزداد الآن، أكثر من أعداد المتلقين للشعر، ونحن نرصد الندوات التي تقام للشعر، سواء في أندية الأدب أو معارض الكتب، ونلاحظ أن الحضور جميعهم من الشعراء، يستمع بعضهم إلى بعض في انتظار أن يأتي دورهم. وبعض الندوات تخلو حتى من الشعراء أنفسهم، وأظن أن ذلك يرجع لزيادة وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت نقمة على المبدع وعلى صناع الكتاب الأدبي، فمتعة الشاعر في جمهوره الحقيقي الذي يتفاعل معه بشكل مباشر، وليس من خلف شاشات الهاتف المحمول أو الحاسوب، فردود أفعال المتلقي هى الزاد الذي يعين الشاعر على الاستمرار في الكتابة وتجويد أعماله، وهي المقياس الحقيقي لتجربته الشعرية.

 

خلال مسيرتك الأدبية، هل تطلعت إلى قراءة أي لون من ألوان الأدب العالمي، لكي تقف على حجم التطور في الكتابة الأدبية؟ ومن منهم استهواك أكثر؟

للأسف أنا مُقل في قراءة الأدب العالمي، والسبب في ذلك أنني لا أجيد اللغات الأخرى، وأعتقد أن ترجمة تلك الأعمال يفقدها الكثير من متعة قرائتها بلغاتها الأصلية، ففي الأعمال المترجمة أجد نفسي أمام أديب حقيقي غائب خلف لغة الترجمة، ومترجم قد يكون أديبا، فيؤثر على الإبداع الخاص بالكاتب الأصلي، أو مترجم موظف ينقل العمل للمتلقي، وكأنه بحث علمي مترجم خال من الإبداع والمتعة.

 

هناك العديد من الكتاب العالميين جمعوا بين الشعر والرواية وبرعوا في النشاطين، من أمثال الإنجليزي "لورنس داريل" وغيره، وبما أنك اقتحمت هذا العالم الصعب بعد أن كنت شاعرا، فهل ترى أن هناك أي فرق واضح بين التأليف الشعري والتأليف النثري؟ وهو سؤال وجه في منتصف القرن الفائت إلى داريل بالمناسبة، وأود سماع إجابته منك.

من حسن الحظ أن الورشة التي أقيمت على هامش جائزة الشارقة للإبداع، كانت عن ثنائية الشعر والنثر، وقدمت بعض الأوراق إجابة عن هذا التساؤل مفادها أن الشعر شعر والنثر نثر، ونفي السرد عن الشعر، غير أن مداخلتي كانت معارضة لهذه الورقة، فالشعر كما يقدم لنا المتعة والإبهار، أيضا هناك نصوص نثرية مثل القصة أو الرواية أو العمل المسرحي تقدم لنا أيضا تلك المتعة، وعنصر السرد كما هو متوافر بشدة في النصوص النثرية، يمكن للشاعر أيضا أن يضيفه لأعماله، ومن أشهر الأعمال الشعرية التي يظهر بها السرد هى السيرة الهلالية والمسرح الشعري، ومعاناة الشاعر في ولادة القصيدة لا تختلف عن معاناة الروائي، غير أن الروائي تزداد معاناته لطول النص ومحاولات التغيير والتعديل في الأحداث من آن لآخر، والشاعر قد يعاني للحظات. وأعتقد أن الشاعر يمكنه كتابة أي لون أدبي، بعكس الروائي أو القاص.

 

أضفت نشاطا جديدا إلى قائمة نشاطك، فهل هناك روايات أخرى في الطريق؟ أم أن العمدة الشاعر سوف يقاوم أن تزاحمه الكتابة الروائية؟

لا شك أن تجربتي الأولى في روايتي الأولى أم العنادي، كانت تجربة قاسية لأسباب منها: عدم درايتي الكافية بفنيات وقواعد كتابة الرواية، ولأن العمل ارتبط بذكريات أليمة مرت بي، وكان سردي لها بمثابة طعنات أسددها لقلبي. ومع اعتقادي أنني لن أكرر تلك التجربة مرة أخرى، لكنني كررتها بالفعل. فقد كان حصولي على جائزة الشارقة للإبداع العربي محفزا ليَّ على كتابة روايات أخرى.

 

 


الكلمات المفتاحية:( الأكثر بحثا على جوجل )

جائزة الشارقة للإبداع العربيالشيخ سلطان بن محمد القاسميالشارقةالإمارات العربية المتحدةمحمد شحاتة العمدةفن الروايةتراثالسيرة الهلاليةأم العنادي