Responsive Ads Here

الجمعة، 15 فبراير 2019

معالي وزير الثقافة: هل لديكم جرأة القراءة في مكان عام؟


بقلم: د. وائل إبراهيم الدسوقي ..
عندما صدرت إحدى المجموعات المسرحية لصديق عزيز، ذهبت للحصول على نسخة منها من أحد منافذ الهيئة المصرية العامة للكتاب في قاهرة الخديو إسماعيل. تصفحت بعض صفحاتها قبل أن أشتريها، ومن فرط جمال هذا العمل لم تبتعد عيني عنه حتى وأنا أسدد ثمنه. وأثناء خروجي من منفذ البيع توقفت عن القراءة حتى أعبر الشارع، ولمحت مقهى في شارع جانبي فأسرعت إليه، لكنني لم أجد أي مقعد فارغ، فكان قراري أن أجلس على أحد الأحجار إلى جواره ومددت أرجلى مستندا إلى الحائط وطلبت مشروبي وأكملت القراءة وسط استغراب معظم رواد المقهي، حتى أنهيت أول مسرحية في المجموعة ثم انصرفت.
منذ ذلك اليوم وأنا أسال نفسي، لماذا لا نشجع بعضنا على القراءة في الشارع ونحفز الجميع على ذلك؟ لماذا لا نقيم مهرجانات قراءة للجميع ولكن بشكل أكثر فعالية؟ لماذا توقفت مكتبات هيئة الكتاب المتنقلة التي قامت بدور مهم في تشكيل وعينا خلال حقبة الثمانينيات وأوائل التسعينيات؟ والعديد من التساؤلات التي لو وجدنا لها إجابة لأصبحنا نحمل مشاعل التنوير والعلم مرة أخرى كسابق عهدنا.
"سوف نحاربهم بالثقافة"
الشعار الذي يحمله ويروج له المثقف المصري مع كل حدث جلل تسفك فيه دماء مصر على يد الإرهاب، فيرددونه بكثرة ويتفاعلون معه، ثم تنتهي الهوجة، ويهتم كل منهم بشأنه وأمجاده دون تقديم حلول. حتى أنني سألت أحدهم ذات مرة على موقع للتواصل الاجتماعي، هل هذه الحرب ستكون بكثرة الإصدارات أم أن هناك حل عملي فعال؟ فاكتفى بعمل إعجاب لتعليقي وصمت. سألت نفسي هل هناك فعلا من الوسائل العملية الشجاعة التي يمكنها أن تضرب رصاصة ثقافية ثقيلة حارقة في قلب الإرهاب؟
قد يتحجج البعض بأن الظروف الأمنية في البلاد لا تسمح بتبني مثل تلك الدعوة. لكن هناك تجارب راقية لمحاولات نشر الوعي الجماهيري بالقراءة في أماكن عامة. وكلها في أماكن ساخنة تمتلئ بألوان مختلفة من الصراعات السياسية والعسكرية، على سبيل المثال، قام أهل مدينة زوارة الليبية المشهود لهم بتمسكهم بالتقاليد القديمة، وفي محاولة منهم لرفع مستوى أبنائهم ثقافيا، لمحاربة هذا الزخم الثقافي الدخيل على المجتمع الليبي مؤخرا بعد دخول ليبيا في الصراع السياسي الذي تفجر بعد الثورة، وقرروا أن يرفعوا مستوى المدينة حضاريا، فأنشأوا ما يعرف بمكتبات زوارة الصغيرة، وهي مكتبات في مساحة خشبية صغيرة جدا وضعوها لتستقر دوما في حدائق وشوارع المدينة، مفتوحة للاستعارة دون قيود أو ضوابط محددة، معتمدين على الثقة الموجودة بين سكان المدينة الصغيرة.
وفي عام 2014، كان المشهد في شارع أبو نؤاس في بغداد عظيما، فأصبح نهر دجلة يتلألأ بأغلفة الكتب التي تناثرت على شاطئه، فيما عرف بمهرجان (أنا عراقي.. أنا اقرأ)، بعد أن لبى العراقيون دعوة مثقفي العراق وخرجوا للتنزه والقراءة معا، وقد اختلط الكتاب بأجواء تلك النزهة الثقافية مع قصائد الشعراء وجلسات الأدباء والموسيقى التي صدحت في أفق بغداد التي عانت ولا تزال من بشاعة الحرب والإرهاب، فكان ذلك تحديا شجاعا من شعب العراق ضد كل من يحاول طمس روحه ووأد عقله، فقد خرجوا وقرأوا في الشارع في ترجمة حقيقية وعملية لنداء (سوف نحاربهم بالثقافة).
لماذا لا تتضافر جهود المؤسسات الثقافية المصرية، أهلية أو حكومية، دور نشر ونوادي كتاب وموسيقى وشعر وغيرها، لتخصيص يوم واحد أو أيام ثابتة أو حتى شهور للقراءة في الأماكن العامة، حدائق وميادين وشواطئ ونوادي ومواصلات، لتكون مصر كلها معرضا مفتوحا للكتاب، يتبرع فيه كل قارئ بما انتهى من قراءته ليستفيد غيره، وتطرح دور النشر للعامة بعض كتبها مجانا للقراءة المفتوحة أو الاستعارة المؤقتة، أو حتى للبيع بسعر زهيد، لتصبح مصر في أعين العالم بثوب مختلف، كما فعلت بغداد وزوارة وغيرها..
والآن أوجه سؤالي إلى معالي وزير الثقافة، هل لديكم جرأة القراءة في مكان عام؟

* نشر بصحيفة القاهرة، عدد 886، 11 يوليو 2017