Responsive Ads Here

الأربعاء، 13 أبريل 2016

حسين السيد يكشف عن دور لبنان في الصراع العربي الإسرائيلي

بقلم: د. وائل إبراهيم الدسوقي .. 
ارتبطت القضية اللبنانية بالقضية الفلسطينية ارتباطاً وثيقاً منذ العام 1918، يوم انتهاء الحرب العالمية الأولى (1914-1918) وإحكام السيطرة الفرنسية والبريطانية على المنطقة العربية. ففي لبنان بدأت المساعي الفرنسية والطائفية لصبغه بصبغة طائفية ملّيه، بحيث تتحكم الأقلية اليهودية بالأكثرية الفلسطينية العربية. وكان من نتيجة هذه المساعي الطائفية والعنصرية أن سعت بعض القوى الطائفية الموالية لفرنسا إلى إقامة وطن قومي مسيحي في لبنان، على غرار ما سعت إليه الصهيونية في فلسطين.
وكان هذا التيار السياسي قد بدأ يتنامى في لبنان، لا سيما عندما تولى الرئيس "إميل إده" رئاسة الجمهورية اللبنانية (1936- 1941) فقد ازدادت في عهده الاتصالات اللبنانية-الصهيونية، سواء في لبنان أم في أوروبا، إلا أن العديد من الشخصيات المسيحية الوطنية قامت في عهد الانتداب الفرنسي، تندد بفكرة التعاون الصهيوني-اللبناني، وترفض فكرة إنشاء دولتين عنصريتين في المنطقة، واحدة في لبنان وأخرى في فلسطين.
وفي عهد الاستقلال (1934-1952) تولت بعض القيادات الدينية المارونية بشكل علني، مهمة تأييد الحركة الصهيونية، وفي مقدمة هؤلاء المطران الماروني أغناطيوس مبارك، الذي تولى تقديم مذكرة إلى رئيس لجنة التحقيق الدولية، في 5 آب أغسطس 1947، أوضح فيها أنه يتحدث باسم أكثرية اللبنانيين، معرباً عن نكرانه لعروبة لبنان وفلسطين، مشيراً بالذكاء اليهودي والمسيحي "فليس من العدل أن تشرع لها القوانين أكثرية جاهلة تريد أن تفرض إرادتها"، ثم طالب بإنشاء وطنين: وطن مسيحي في لبنان، ووطن يهودي في فلسطين.
وتعددت المؤلفات التي تناولت الدور اللبناني في الصراع العربي الإسرائيلي، إلا أن معظمها افتقر إلى النظرة العلمية الوثائقية والشمولية والتي تحدد بدقة الدور الرسمي اللبناني، وخاصة في الفترة التي أعقبت الحرب العربية الصهيونية عام 1948، وظلت المكتبة العربية تنتظر هذا الجهد حتى ناقش الباحث المصري "حسين السيد حسين سالمان" رسالته التي حصل بها على درجة الدكتوراه في فلسفة التاريخ في موضوع بعنوان "دور لبنان في الصراع العربي الإسرائيلي 1948-1967" في نهاية شهر ديسمبر 2015 بكلية الآداب جامعة عين شمس، والتي أشرف عليها أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر الدكتور/ حمدنا الله مصطفى حسن.
وركز "حسين السيد" في بشكل مباشر على الدور اللبناني الرسمي، وهو المطلوب إلقاء الضوء عليه بشكل دقيق، وحاول الإجابة عن بعض التساؤلات، من أهمها: هل كان هناك بالفعل دور للبنان في هذا الصراع؟ وإذا وجد، فما هو مقداره وما حدوده؟ وما مدى تأثيره على البيئتين الداخلية والخارجية بلبنان؟
وقد وفق في اختيار فترة دراسته التي امتدت منذ عام 1948 وحتى 1967، كونها قد وقعت بين حدثيـن بـارزين؛ الأول يمثله عام 1948، وهو العام الذي شهد انطلاقة أولى جوالات الصراع العربي الصهيوني على أرض فلسطين، والتي أعطت إسرائيل صفة التواجد على الأراضي العربية، أما الحدث الآخر فيمثله عام 1967، حيث شهد خوض إسرائيل أولى حروبها التوسعية – منفردة -، وعلى أكثر من جبهة عربية سواء في مصر أو سوريا أو الأردن.
لقد خلصت الدراسة إلى تأييد لبنان "رسميا" لقيام كيان سياسي ممثل للشعب الفلسطيني، والاعتراض على ضم الضفة الغربية لشرقي الأردن، والميل إلى إعطاء القدس وضعا خاصا ضمن الدولة الفلسطينية. غير أنه وبهزيمة الجيوش العربية تغير موقف لبنان إلى الوقوف إلى جوار قرار التدويل، ودعمه حق عودة اللاجئين إلى ديارهم، مع تمسكه الدائم برفض أي محاولة لتوطينهم في داخل أراضيه. كما أظهر لبنان تحمسا واضحا لمقاطعة لإسرائيل، ومن ثم فقد شارك في صدور قرار المقاطعة الأول في عام 1945، والآخر في عام 1951.
ومن النقاط التي ناقشها الباحث، والأهم من وجهة نظري، ما أبداه لبنان من اهتمام بالغ بقضية دعم الاقتصاد الإسرائيلي، فقد حرص على متابعة المفاوضات الرامية إلى حصول إسرائيل على تعويضات مالية من ألمانيا الاتحادية (الغربية)، نظير ما فعله هتلر باليهود، وقد بذل لبنان المساعي للحيلولة دون توقيع ألمانيا على هذه الاتفاقية، لكن دون جدوى، فقد وقعت المانيا الاتفاقية في سبتمبر عام 1952، وبتوقيع الاتفاقية انصرف اهتمام لبنان إلى منع انزلاق ألمانيا أكثر من ذلك في علاقتها مع إسرائيل، مما أدى في النهاية إلى قطع العلاقات الدبلوماسية اللبنانية الألمانية تضامنا مع غالبية الدول العربية.
وانتهت الدراسة إلى أن لبنان عارض استراتيجية إسرائيل التوسعية، والتي استولت على المياه العربية، بدءا من محاولة إسرائيل عام 1953، ومرورا بالصيغ المتعددة من مشروع "جونستون"، فيما بين عامي (1953- 1955)، ووصولا إلى تنفيذ إسرائيل عملية التحويل عام 1965. كذلك عارض لبنان بشدة ضم المزيد من الأراضي العربية، حيث أدان عدوان إسرائيل على مصر إبان حرب السويس عام 1956، وإن احتفظ بعلاقاته مع بريطانيا وفرنسا اللتين شاركتا إسرائيل عدوانها لأسباب سياسية واقتصادية.إلا أنه حينما حدث عدوان إسرائيل على مصر وسوريا والأردن عام 1967، طلب لبنان من سفيري الولايات المتحدة وبريطانيا مغادرة الأراضي اللبنانية، وسحب سفيريه لديهما دون التدخل مباشرة في حالة الحرب.
وأخيرا فإن الدكتور "حسين السيد" قدم رسالة علمية رصينة فازت بها المكتبة العربية، مما سيساعد بالتأكيد صناع القرار اللبناني على وجه الخصوص كثيرا أثناء مساهماتهم في إدارة القضية مستقبلا، فهي من الرسائل الموسوعية الجادة التي اعتمدت على العديد من المذكرات واليوميات لزعماء وصناع القرار في لبنان وبعض البلاد العربية ذات الصلة، كمذكرات الرئيس اللبناني بشارة الخورى، ورئيس وزراء لبنان سامى الصلح، والملك الأردني عبد الله بن الحسين، ووزير الخارجية المصري والأمين العام لجامعة الدول العربية محمود رياض، والقائد فوزى القاوقجى، ومفتى فلسطين محمد أمين الحسيني، بالإضافة إلى الاستعانة بيوميات حرب 1948 التي دونها رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن جوريون، بدون إغفال دور الدوريات والدراسات والموسوعات والرسائل الجامعية، والمراجع باللغة العربية واللغات الأجنبية في إثراء الدراسة بعشرات المعلومات التي خرجت إلى النور لأول مرة مجموعة بين دفتي مجلد حاز على إجازة جامعية مرموقة.