Responsive Ads Here

السبت، 26 مارس 2016

بالعربية الرشيقة .. 72 ساعة عفو ومسرحيتان


بقلم: د. وائل إبراهيم الدسوقي .. 

احتلت قضية الصدق والواقعية في فن المسرح مكانا خاصا ضمن اهتمامات النقاد خلال ثمانينيات القرن العشرين، حتى أنها أخذت مساحة ليست بالقليلة من كتاباتهم، واعتبروها من القضايا الحيوية لاعتبارات تتصل بطبيعة المسرح كجمع للفنون من ناحية ولأنه فن جماعي من ناحية أخرى. وحاول أهل المسرح بعد العديد من الأحاديث حول الكتابة المسرحية وضرورة توافر الصدق في الكتابة وآداء المؤدين والمبدعين في الصيغة المركبة للعرض المسرحي، أن يقدموا مسرحيات تحقق هذا الهدف، وسواء ظلت مكتوبة أو عرضت للجمهور، فقد كان ذلك الهدف الأسمى للكاتب والمخرج والممثل على حد سواء، ولم يكن هذا الأمر جديدا على فن المسرح عموما، فقد تفجرت النقاشات حول قضية الصدق والواقعية أيضا في أوروبا بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، لتترك أثرا ملموسا في العمل المسرحي الغربي والشرقي على السواء.
وقد صدر حديثا بالقاهرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، للشاعر والكاتب المسرحي والإعلامي المصري "وليد علاء الدين" ثلاثة نصوص مسرحية مجموعة في كتاب واحد بعنوان (72 ساعة عفو ومسرحيتان)، ويقع في 112 صفحة من القطع المتوسط، وهي على الترتيب داخل الكتاب "صورة يوسف"، "72ساعة عفو"، و"البحث عن العصفور"، والأخيرة هي الفائزة بجائزة الشارقة للإبداع العربي عام 2006. وعكست في مجملها تلك القضية التي شغلت عقل العديد من النقاد والمهتمين بالمسرح المصري منذ عقود، ألا وهي قضية الصدق في الأدب المسرحي، وهنا لا نتحدث عن الصدق في الآداء على خشبة المسرح، ولكننا وجدنا نصا يظهر فيه الصدق في الكتابة التي تعكس الواقع بشكل مذهل.
والنصوص المسرحية الثلاثة لوليد في مجملها عملا فنيا فيه جهد ممتاز، يمكننا الوقوف عندها كثيرا، حتى أنها لو أنتجت ستصل إلى مستوى تستطيع به أن تملأ معه فراغ يعاني منه المسرح العربي بامتياز، نظرا لابتعاد الانتاج دوما عن تجسيد المسرح الواقعي لصعوبته، إلا أننا وبعد قراءتنا للنصوص الثلاثة يمكننا القول بأنها ستكون إضافة ممتازة يمكنها تبديد تلك المخاوف جميعها.
واستخدم "وليد علاء الدين" العربية الفصحى في كتابة نصوص لا تستطيع الفصحى تحملها بسهولة، خاصة حينما يتناول بعض المشاهد التي تصف حدثا يدور في حارة شعبية مصرية أو حديث يدور على مقهى بلدي، أو حوار يدور بين مجموعة من الموظفين، يصعب على أي كاتب تحويل مفرداتها العامية الصعبة إلى لغة عربية رشيقة لا نشعر من خلالها بالفرق بين العامية والفصحى، وهو ما أذهلني تحديدا عند قراءة نص "صورة يوسف"، والتي تجسد فكرة الصراع كمقوم أساسي في بنية النص، وكتبها بعربية فصحى تتناغم مع بعض المفردات العامية التي تداخلت معها برشاقة، حتى أن القارئ لا يجد في ذلك نشاذا أو شذوذا. وهكذا نجح "وليد" في التوفيق بين العامية واللغة العربية الفصحى بأسلوب انتقائي لخلق وحدة لغوية ساعدت كثيرا على فهم النص واستيعابه. وهو بذلك يذكرنا بمسرح "محمود تيمور" الذي أضاف لمسرحياته تعابير عامية عملت على إكساب الفصحى صفة اللغة المحكية الرشيقة، وهو ما اتسم به المسرح المصري لفترة زمنية ليست بالقليلة، قبل أن ينهار ويصاب بالخمول الذي فشلت معه كل محاولات الإنقاذ.
يحاول الكاتب خلال نصوصه الثلاثة إبراز مفاهيم "الحرية والدين والسلطة" وعلاقة كل منها بالآخر، وعلاقة كل منها بماهيتها، والبحث خلال سطور مسرحياته في هدف الحياة، للإجابة على الأسئلة التي تدور في أذهاننا دوما، ما الهدف من تلك الحياة؟ لماذا نعيش؟ على ماذا نبحث؟ وقد حرص على النبش الإبداعي في قضايا الوجود الكبرى المتعلقة بماهية الإنسان، وبحثه الدائم عن ذاته، والكيفية التي ينبغي أن يحقق بها الإنسان وجوده وذاته.
ومن خلال الرؤية العامة للنصوص الثلاثة يمكننا الجزم بأن الحياة الاجتماعية والسياسية العربية المضطربة كانت إلهاما صادقا استطاع تغذية قلم "وليد" بمادة غنية حية جعلت عمله يتسم بعمق التحليل الاجتماعي والسياسي، مما أثرى عمله وجعله بتلك الصورة.

* نشر المقال في صحيفة الحياة اللندنية (عدد 19284 - الخميس 21 يناير 2016) بعنوان: حياة مضطربة في مسرحيات وليد علاء الدين.