Responsive Ads Here

الثلاثاء، 10 يونيو 2014

البعد الجغرافي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي




بقلم: د. وائل إبراهيم الدسوقي .. 

لا شك أن التفاعل بين السلوك السياسي للإنسان وبيئته الجغرافية أمر في التاريخ قديم. وكانت العلاقة بين الدولة وظروفها الطبيعية مجالا لاهتمام الفيلسوف والمؤرخ والجغرافي. إلا أن الإنسان الأول في إدراكه لهذه العلاقة لم يدركها كعلم له إطار محدد. وعلى الصعيد الإقليمي أدركت إسرائيل منذ بدايتها أن نجاح الدولة يتوقف على استغلالها لموارد الأرض التي استولت عليها، تحقيقا للاكتفاء الذاتي والحصول على أكبر قدر من المكاسب وسبل العيش والبقاء، ولكن على حساب أهل الأرض الحقيقيين.
ونلاحظ أن نتيجة محادثات السلام بين إسرائيل والمنظمات الفلسطينية دائما ما تنتهي بالفشل، وبغض النظر عن أسباب الصراع السياسي والديني والاختلاف الأيديولوجية، إلا أن سبب فشل المحادثات دائما يكمن في رغبة المنظمات الفلسطينية الحصول على الأرض المغتصبة، وتعنت إسرائيل تجاه هذا المطلب لرغبتها في الاستيلاء على موارد الأرض الفلسطينية، وبخاصة الموارد المائية.
ولكن وبعد بحث دقيق، وجدنا العامل المهم الذي يعد من وجهة النظر العملية، هو الأهم والمؤثر في تأجيج النيران والصراعات في الأرض المحتلة، ألا وهو العامل الجغرافي. فدائما المناطق المتروكة للفلسطينيين هي المناطق الأفقر من ناحية الإنتاج والتضاريس الصعبة، وهي مناطق غير خصبة بما يكفي حاجة السكان الزراعية، الأمر الذي يدعوا هؤلاء إلى الاحتجاج بشكل متكرر، ليحدث الصدام مرة تلو الأخرى، ويعد هذا العامل مكملا معيشيا مهما إلى جانب المطلب الأساسي، ألا وهو استرجاع الأرض المحتلة.
إن سياسة إسرائيل المستمرة التي تتبعها لخنق المناطق الفلسطينية من خلال بناء مستوطنات جديدة غير ضرورية داخل حدود الخط الأخضر، تتسبب في عدم استطاعة المناطق الفلسطينية النمو لمواجهة الزيادة السكانية، خاصة وأن الشريط الحدودي مع الأردن يتسم بالضيق الشديد في الجنوب، مما اضطر السكان إلى العيش جنبا إلى جنب بشكل غير إنساني في مناطق كثيرة. ومع تضييق الخناق على الهجرة الفلسطينية إلى الدول المحيطة، اضطر الشباب الفلسطيني للبقاء داخل تلك المدن الصغيرة، مما سيؤدي حتما إلى زيادة في أعمال الشغب والعنف، والاحتقان.
ومن المعروف أن التوسع في الرقعة الجغرافية التي تبنى عليها المستوطنات الإسرائيلية، تحمل أضرارا لجهود السلام، وتهدد فرص التسوية السلمية، وخاصة في تلك المرحلة التي نعيش فيها الآن، فالتوسع في بناء المستوطنات ما هو إلا محاولة من إسرائيل للتحول عن القضية الأساسية والتهرب من التزامات التسوية السياسية كما أقرها المجتمع الدولي. وثمة سبب آخر لبناء المستوطنات، فهي تخطط وتقام لمنع إعادة الأرض للسيادة العربية.
وتمنع العوامل الجغرافية أيضا إسرائيل من استخدام القوة النووية، على الرغم من امتلاكها لصواريخ وقنابل نووية يمكنها حسم أي معركة، ولكن هل تستطيع استخدامها واقعيا.. لا نظن ذلك، فإسرائيل دولة صغيرة تعاني قيوداً، تتمثل في ضعف الموقع الجغرافي، وطول حدودها مع بلدان عربية، وافتقادها لعمق إستراتيجي، بالإضافة إلى قلة عدد السكان، ولا سيما أن هذه القلة تضم سكاناً عرباً فلسطينيين يمثلون حوالي ربع سكان إسرائيل، ويرى البعض أن هذا الأمر يحمل مردودا سلبيا على إستراتيجيتها النووية بشكل خاص، ويضاف إلى القيود المعروفة على قدرتها النووية، مثل خطوط الأمان للدول المجاورة، وكذلك أمن سكانها المدنيين، والمصالح الأمريكية في المنطقة العربية.
كذلك، تعد جغرافيا الموارد الطبيعية عاملا مهما في تحريك دفة الصراع، فلقد كانت المدن الفلسطينية قبل الاحتلال تقوم على نظام يشبه دولة المدينة، فكل مدينة لها نظمها الاقتصادية وطابعها الثقافي المميز وطريقة حكمها، وكان مسموحا بالسفر والتجارة بينها بكل حرية. وبعد الاحتلال، استولت القوات الإسرائيلية على المدن الواحدة تلو الأخرى، مما أعاد تشكيل العلاقات بين المدن الفلسطينية، وانهيارها أحيانا، بعد أن أصبح ممنوعا على بعض سكان المدن الاختلاط بالمدن الأخرى إلا بتصاريح خاصة، كان من الصعب الحصول عليها في كثير من الأحيان. وهكذا، ونتيجة العامل الجغرافي المميز لكل مدينة فلسطينية، مما يعطيها موردا اقتصاديا مختلفا، فقد فقدت المدن ما كانت تتبادله من موارد، مما شكل إعاقة كبرى في سبل العيش مع ازياد الاحتقان ضد المحتل أكثر فأكثر.
أما الجغرافيا السكانية، فلها نصيب آخر من حديثنا، ومن المعروف أن إسرائيل عملت على التفرقة بين السكان الفلسطينيين الذين يقطنون الأراضي المحتلة، حينما عاملت المسيحيين معاملة أفضل من المسلمين للاحتفاظ بعلاقات دائمة مع الغرب، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وحتى يرى الفلسطينيون المسلمون أنفسهم على أنهم أقلية فقيرة في وطنهم، مع العلم بأن المسيحيين يشكلون نسبة صغيرة جدا في الأرض المحتلة.
وعلى أية حال، استخدمت الجغرافيا خلال ستون عاما من قبل الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وكل منهما يحاول أن يستغلها بما يتلائم ومصالحه، فالخرائط الفلسطينية ترى أن كل فلسطين عربية، دون الإشارة إلى المدن الإسرائيلية إلا بما يتلائم مع الرؤية السياسية الفلسطينية للخريطة الجغرافية للدولة. كما تركز كتب الجغرافيا في المدارس الفلسطينية لزيادة الاحتقان ضد إسرائيل. أما المدارس الإسرائيلية فيتركز اهتمامها حول تدريس التاريخ الإسرائيلي وجغرافيا المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل. وبالطبع فتاريخ المدن الفلسطينية قبل أن تحتلها إسرائيل يظهر في الكتب على أنه نقلة حضارية نوعية، لإدخال بعض المفاهيم في عقول الطلاب، تتمثل في الفرق الحضاري الشاسع بين المدن الفلسطينية قبل الاحتلال وبعده، فهي مدن الظلام التي أنارها الإسرائيليون من وجهة نظرهم. وهكذا تسيطر على عقول الطلاب فكرة أنه بدون سيطرة إسرائيل ستعود تلك المدن إلى البدائية من جديد.