
بقلم: د. وائل إبراهيم الدسوقي ..
في تلك التدوينة نسرد قصة حقيقية وملحمة عظيمة لمخابراتنا المصرية .. كنا نأمل أن تكتمل بنجاح .. إلا أنها مع عظمتها وعظمة القائمين عليها .. لم تكتمل .. وإنما أضافت فصلا ملحميا إلى كتاب التاريخ المصري .. إنها قصة العملية .. كوندور..
بطلها هو الدكتور عبد القادر حلمي .. المولود في العاشر من فبراير عام 1948 في قرية الاشمونيين - مركز ملوي - محافظة المنيا وتخرج من الكلية الفنية العسكرية في عام 1970 وكان الأول علي دفعته بامتياز من قسم الهندسة الكيميائية وتخصص في انظمة الدفع الصاروخي .. تم الحاقة بالأكاديمية العسكرية السوفييتية ليحصل علي درجتي الماجستير والدكتوراه في تطوير انظمة الدفع الصاروخي ومكونات الصواريخ الباليستية في زمن كانت مصر تفتقر فيه للصواريخ الباليستية .. وكان أقصي مدى صاروخي هو 350 كيلومتر..
تم اعفاؤه من الخدمة العسكرية وإبقائه على رتبته .. ثم ألحق على مصنع قادر العسكري لثلاث سنوات قبل أن يتم إلحاقة للعمل كخبير صواريخ بكندا في أواخر السبعينيات .. ذلك التوقيت الذي كان فيه اللواء ابو غزالة يشغل منصب مدير عام المخابرات الحربية..
بعد سته أشهر تم زرعه في شركة أمريكية متخصصة في إنتاج أنظمة الدفع الصاروخي لصالح وزارة الدفاع الأمريكية .. وانتقل للاستقرار في ولاية كاليفورنيا .. وأصبح طيلة الفترة منذ مغادرة مصر في السبعينيات وحتي عام 1984 عميلا نائما .. ساعدته خبرته الفذة على تعديل الخلل في منظومة الدفع الصاروخي باستخدام الوقود الصلب لمكوك الفضاء ديسكفري .. حتى لا يتعرض للانفجار مثل مكوك الفضاء تشالنجر في عام 1982 .. مما لفت نظر الإدارة الأمريكية إليه .. فمنحته تصريح أمني من المستوي الأول .. سمح له بالولوج الي قواعد البيانات ومعامل اختبارات الدفع النفاث في جميع انحاء الولايات المتحدة دون اية قيود..
شارك الدكتور عبد القادر حلمي في تصنيع وتطوير قنابل الدفع الغازي المعتمدة علي الوقود المعروفة باسم:
FAE BOMB - Fuel/air explosive bomb
والذي ينتمي إلى عائلة القنابل الارتجاجية .. وهي بمثابة قنابل نووية تكتيكية دون تأُثير اشعاعي يصل تأُثير القنبله ذات الرأٍس الألف رطل منها إلي دمار كلي في محيط 50 متر ودمار جزئي في محيط 850 متر .. وهي التي طورها الجيش المصري لاحقا لتصبح قنابل محمولة علي صواريخ تكتيكية بعيدة المدي تصلي الي 1350 متر ودون علم الولايات المتحدة الأمريكية..
قام الدكتور عبد القادر حلمي بتسريب التصميمات الكاملة لتلك الصواريخ إلى قيادة الجيش المصري .. وأظهرت تقارير السي اي ايه أنه ظل يقوم بامداد دوري مستمر لآخر أبحاث هذا النوع من القنابل لصالح مصر حتي السابع من مارس 1986 بمستندات وتصميمات عالية السرية..
وعلي صعيد موازي كان اللواء عبد الحليم ابو غزالة قد بدأ مشروعا طموحا لانتاج الصواريخ الباليستية في اوائل الثمانينيات بالتحالف مع الارجنتين والعراق عرف باسم مشروع الكوندور .. وفيه يقوم العراق بتمويل أبحاث صاروخ الكوندور .. وتقوم الارجنتين بتوفير الخبرة التكنولوجية والاتصالات .. وتقوم مصر بالدور الاستخباراتي في مجال تطوير الابحاث..
وفي مرحلة متقدمة قام العقيد حسام الدين خيرت الملحق العسكري المصري في سالزبورج بالنمسا بإدارة شبكة استخباراتية معقدة للدعم اللوجستي .. انتشرت في جميع أنحاء اوروبا .. كذلك إدارة مصانع وشركات اجنبية لا تمت بصله لاي اسم مصري لتوفير العتاد .. وتصنيع قطع الغيار والقطع المطلوبة للدعم التسليحي الفائق للجيشين المصري والعراقي .. والتي كان من ضمنها تطوير تصنيع المدفع الاسطوري العملاق (بابل) .. الذي كان مدى قذيفته الف كيلومتر وقادر علي اصطياد اقمار التجسس الصناعية والتشويش عليها..
عند هذه المرحلة كانت مراحل التصنيع وصلت لذورتها .. وتوقفت عند احتياج المشروع لبرمجيات عالية السرية وحساسة لتوجية الصورايخ وضبط اتجاهاتها .. عندها قام الدكتور عبد القادر حلمي بالتعاون مع العقيد خيرت وآخر هو عبد الرحيم الجوهري مدير مكتب تطوير الأسلحة الباليسيتيه بوزارة الدفاع والمسئول الاول عن عملية الكوندور بتجنيد عالم اميركي اخر هو جيمس هوفمان الذي سهل لهم دخول مركز قيادة متقدم في هانتسفيل بالولايات المتحدة الامريكية .. تابع للقيادة المتقدمة الاستراتيجية ومسئول عن تطوير برمجيات توجية انظمة باتريوت صائدة الصواريخ الباليستية .. وكان المركز يتعاون مع مؤسسة تقنية اخري ويشرف عليها عالم برمجيات اميركي اخر هو كيث سميث..
تم تجنيد كيث في ابريل 1986 لصالح شبكة العقيد خيرت والدكتور عبد القادر حلمي .. والحصول علي نسخة كاملة ونهائية من برامج منظومة توجية الصواريخ الباليستية والانظمة المضادة لها والناتجة عن تطوير خمسين سنه كاملة من برنامج حرب النجوم الامريكي .. وبذلك تم اختراق تصميمات شبكة الدفاع الصاروخي الأولي للولايات المتحدة بالكامل..
واستطاع العقيد خيرت والدكتور عبد القادر اتمام المهمه بنجاح .. بل والقيام بالتعاون مع قسم السطع الفني في المخابرات العامة من القيام بهندسة عكسية لمنظومة الرصد والتوجية وبرامجها الخاصة .. ليكتشفوا ان منظومة باتريوت تستطيع رؤية صاروخ الكوندور واصطياده في الجو .. ولحل هذه المشكلة اكتشف الدكتور عبد القادر وجود ابحاث في مركز اخر تابع لقيادة سلاح الجو الاميريكي لصناعه مادة من اسود الكربون تقوم بتعمية انظمة الرادار وتخفي اي بصمة رادارية له لتحول الصاروخ الي شبح في الفضاء لا يمكن رصده .. كما انها تقلل احتكاك رأس الصاروخ بالهواء بنسبة عشرين بالمائة .. وبالتالي ترفع مداه القتالي..
وبدأت عملية محمومة للحصول على هذه المادة وشحنها إلى معامل الابحاث والتطوير .. هي ونوع خاص من الصاج المعالج الذي يتم طلاؤة بها ليكون جسم الصاروخ .. كانت الكميات التي اشرف عبد القادر حلمي على الاستيلاء عليها بالشراء او بأساليب أخرى ملتوية مهولة تجاوزت الثمانية أطنان .. وكان يتم شحنها في صناديق دبلوماسية بالتعاون مع السفارة المصرية في واشنطن .. وهنا اصبحت الرائحة فواحة لا يمكن احتمالها خاصة بعد أن قام أحد عملاء المخابرات الأمريكية القريبين من الدكتور عبد القادر بالوشاية به وإعطائها أول الخيط لمراقبته وكشف العملية .. وبعد التقصي لاحظت المخابرات الأمريكية أن العقيد حسام خيرت تتكرر رحلاته على الولايات المتحدة في فترات قصيرة .. واختفائه تماما عن المراقبة لعده أيام قبل عودته مع مهارته العالية في التمويه .. وهنا فتحت المخابرات الامريكية والاف بي اي تحقيقا وتحريا فيدراليا موسعا عنه..
في 19 مارس 1988 قام دبلوماسي مصري يدعي محمد فؤاد بالطيران إلى واشنظن .. التقي الدكتور عبد القادر حلمي وقاما بشحن صندوقين سعتهما 420 رطلا من الكربون الاسود الخام عبر سيارة دبلوماسية تابعه للسفارة المصرية بقيادة عقيد يدعي محمد عبد الله وتحت اشراف اللواء عبد الرحيم الجوهري لنقلها إلى طائرة عسكرية مصرية من طراز سي 130 رابضة في مطار بولاية ماريلاند في الثالث والعشرون من مارس 1988.. وتكررت العملية في 25 يونيو من نفس العام..
ورصدت المخابرات الامريكية مكالمة هاتفيه تتحدث عن مواد لا يمكن شحنها دون رقابة صادرة من دكتور عبد القادر حلمي لحسام خيرت .. ثم رصدت مكالمة أخرى يقال أنها صادرة من مكتب المشير أبو غزاله لحسام خيرت تطالب بشحن المواد دون ابطاء مهما كان الثمن وتأمين الرجال .. فقامت الاجهزة الامنية الامريكية بالتحرك .. وقامت بالقاء القبض علي الجميع في ارض المطار..
قامت المخابرات المصرية بتهريب اللواء عبد الرحيم الجوهري بعملية معقدة إلى خارج الحدود .. وتمسكت الخارجية المصرية باخلاء سبيل كل من الدبلوماسي محمد فؤاد والعقيد محمد عبد الله باعتبارهما من طاقم السفارة .. وتم ترحيلهما بالفعل الي خارج الولايت المتحدة .. وشنت السي اي ايه مدعومة بفرق اغتيالات من وحدة كيدون بالموساد الإسرائيلي حملة شعواء في اوروبا لتتبع العقيد حسام الدين خيرت .. انتهت بتغطية من المخابرات المصرية بإحراق منزلة وزرع جثث فيه ليظهر أنه قد قتل في حريق .. وتم نقله واسرته الي القاهرة ..
بعد سقوط بغداد اكتشفت المخابرات الامريكية أنه لا يزال علي قيد الحياة .. فشنت كوندليزا رايس حملة على مصر لتسليمه .. ودارت قصة اخري اسقطت الجنرال داني ابو زيد قائد القوات الامريكية في العراق من القيادة العسكرية .. لا تزال تفاصيلها سرية لم يفصح عنها .. ولا يزال اللواء حسام علي قيد الحياة وبخير..
من المعروف أن السلطات الأمريكية واجهت مصر بكافة التسجيلات وأقوال عميلها السري الذي أعطاهم بداية الخيط .. واتهمت السفارة المصرية بالقيام بأنشطة استخباراتية معادية على الأراضي الأمريكية .. واستخدام سياراتها وموظفيها في أعمال إجرامية تخالف القانون .. بالإضافة إلى تهريب مشتبه بهم خارج الحدود وغسل الأموال..
كانت سقطة مريعة للمشير ابو غزالة .. وظل رجلا حتي آخر لحظة في تمسكه برجاله وحمايتهم .. سافر أبو غزالة إلى العراق لإنهاء اخر مهمه له كوزير .. وقام بتدمير اي مستند يشير إلى شحن أي مكونات تتعلق بمشروع الكوندور مع الحكومة العراقية .. وعاد ليجد قرارا باعفائة من منصبه.
حوكم الدكتور عبد القادر حلمي بـ 12 تهمة .. منها غسيل الأموال وانتهاك قانون الذخائر والأسلحة .. وتصدير مواد محظورة شملت هوائيات عالية الموجة للاستخدام العسكري ومطاط وكربون معالج للصواريخ وانظمة توجيه وصاج معالج لبناء الصواريخ ووثائق ومخططات .. وتم القبض على زوجته وضم ابنائه إلى أسرة أمريكية للرعاية .. وصودرت اوراقه وابحاثة وممتلكاته وحساباته المصرفية..
صدر ضده الحكم بالادانة السجن لسته واربعين شهرا والمراقبة لمده ثلاث سنوات والغرامة والمصادرة .. ولا يزال قيد الاقامة الجبرية في الولايات المتحدة .. ومصيره هو وأسرته مجهول .. خاصة وأن تداعيات العملية استمرت حتي وقت قريب .. فقد تعرض الملحق التجاري المصري في سويسرا علاء نظمي للاغتيال في جراج منزله .. واستولي مجهولون علي حقيبة مستنداته السرية في 1995 .. كما تعرضت السفيرة المصرية في النمسا لمحاولة اغتيال حطمت وجهها باستخدام قنبله مزروعة في هاتفها المنزلي .. وردت الأجهزة الامنية المصرية بنظام (الدم بالدم) .. قبل أن يتم عقد هدنة في 2002 .. منعا لانفجار فضيحة دولية رتبتها مصر لأربعة من أرفع قادة الجيش الامريكي..
ولم تغفر اميركا للارجنتين انضمامها لمشروع الكوندور .. فاسقطت حكم الرئيس كارلوس منعم .. وحاصرته بالفضائح حتي رضخ وزير الدفاع الارجنتيني في 1993 .. ووقع وثيقة انضمام بلاده الي معاهده حظر الانتشار الصاروخي .. وشنت الولايات المتحدة حربا علي العراق أدت إلى انهيار النظام وتفكيكها .. بحثا عن ما تبقي من برنامج التسليح الذي تم بالتعاون مع مصر..
قامت مصر بدعم التصنيع الصاروخي لكوريا الشمالية لصورايخ سكود سي .. ضغطا على الولايات المتحدة .. مما حدا بالاخيرة لطلب الهدنة .. وقد يكون النظام المصرى قد قام بتسوية مع أمريكا مقابل تنازلات سياسية واقتصادية لطي تلك الصفحة ..
لقد قالت كوندليزا رايس في لقاء صحفي ان برنامج الكوندور الذي تم رصد ما تبقي من وثائقه في العراق هو كارثة .. ولو اكتمل فبقية انظمة الصواريخ بجوارة هي ألعاب أطفال .. وحتي الآن لم يتيقن احد اذا ما كانت مصر قد اكملت المشروع منفرده فعلا أم لا.. لكن المؤكد ان عبد القادر حلمي بطل مصري مجهول تحت الإقامة الجبرية في أمريكا .. ولا تهتم القيادة بالمطالبة برجوعه .. خاصة وأنه قد قضى مدته الجنائية وانتهت فترة المراقبة القانونية .. وفقا للقانون الأمريكي..
ملاحظة: العقيد أحمد حسام خيرت .. هو لواء المخابرات والمرشح الرئاسي السابق حسام الدين خير الله
* المعلومات مجمعة من أكثر من مصدر
** الحكم على الدكتور عبد القادر .. من هنا
*** حكم الاستئناف ضد الدكتور عبد القادر .. من هنا