Responsive Ads Here

الأربعاء، 1 أغسطس 2012

حديقة الحيوان مروج القصور الخديوية


بقلم: د. وائل إبراهيم الدسوقي .. 

تعتبر حديقة الحيوان بالجيزة من أقدم حدائق الحيوان الحديثة في إفريقيا وأغناهم تراثاً، وسميت لروعتها "جوهرة التاج لحدائق الحيوان في إفريقيا". وقد نشأت الحديقة في المكان الذي كان يوجد به حرملك "إسماعيل باشا" [1830 – 1895] خديو مصر. وكان يديرها "ستانلي س. فلور" Stanly S. Flower من عام (1898 – 1924).
والكتابات عن الحدائق السودانية والمصرية تكاد تكون منعدمة، رغم أنهم يندرجون في قوائم حدائق العالم الرائدة. وقد صرح "ستانلي فلور" بأن الخديو "إسماعيل" أنشأ الحديقة ما بين عامي (1867 – 1872).
وكانت مجموعات الطيور وأقفاصها وبعض أنواع الثدييات، مجموعة خاصة للخديو ولا يسمح بأن يشاهدها أحد. ولكن سطعت فكرة إنشاء حديقة للحيوان وإتاحتها للجمهور، أثناء التجهيز لافتتاح قناة السويس في عام 1869.
ولم يكن ثمة وقت متاح لإنشاء حديقة خاصة، ولكن الخديو "إسماعيل" فطن إلى فكرة اختيار مجموعة من الحيوانات وعرضها في حديقة قصر الجزيرة (الآن: فندق ماريوت بالزمالك). وكانت الحديقة الخاصة في الجزيرة تحتوي على حوض أسماك ضخم أثار إعجاب كل من شاهده، كما ضمت أقفاص طويلة لأزواج الطيور النادرة والمتنوعة. وبمجرد انتهاء مراسم الزيارات الرسمية للحديقة أتيحت للجمهور.
وفي عام 1889 منح الخديو "توفيق" ابن "إسماعيل" حوالي خمسين فدان، كانت تخص حدائق قصر والدته (قصر الوالدة باشا بالقرب من الأورمان) لتصبح مقر لعرض الحيوانات. وهكذا، كانت تلك الحديقة حجر الأساس لحديقة الحيوان بالجيزة. وهناك تقارير تذكر أن عام 1891 هو العام الذي قررت فيه الحكومة إتاحة الحديقة للجمهور. 
فيما بعد، وفي عام 1898 تم ضم سلامليك الخديو إلى المساحة، فتضاعفت بذلك رقعة الحديقة، ووصلت إلى ثمانين فداناً.
وكانت الحديقة تزداد جمالاً بمرور الزمن، ففي عام 1906 تم بناء أول متحف للحياة الطبيعية في مصر داخل حديقة الحيوان بالجيزة، وهو يحتوي على مجموعة من أندر الزواحف المحنطة، وغيرها من الطيور والحيوانات المنقرضة.
وفي عام 1924 في عهد الملك فؤاد الأول ، أضيف إلى الحديقة الكشك الياباني بمناسبة زيارة ولي عهد اليابان الأولى لمصر. وهو الآن يحتوي على مجموعة من الصور الفوتوغرافية النادرة التي تسرد تاريخ حديقة الحيوان منذ إنشاؤها.
ولقد حاول البعض تزييف تاريخ إنشاء تلك الحديقة، فبعد عدة سنوات، وعندما زار المؤرخ الفرنسي "جوستاف لويسيل" Gustave Loisel الحديقة، نسب تأسيسها إلى بريطانيا، وردد البعض أقاويله، وتلك الأقاويل لا يصعب فهمها، ومن السهل أن تصدر من ممثل دولة استعمارية. فلا يمكن لأحد أن ينكر أن الخديو "إسماعيل" هو صاحب فكرة إنشاؤها (وكيف يكون للحكومة البريطانية فضل في إنشائها في عصر الخديو "إسماعيل"؟! ولماذا نستبعد على هذا الرجل صاحب الفكر التحديثي أن يكون صاحب فكرتها؟!!). رغم أنه من المحتمل فقط أن يكون الخديو توفيق والحكومة البريطانية قد ساعدوا في إتمام المشروع فقط.
وعلى أية حال، فقد افتتحت حديقة الحيوانات بالجيزة في الأول من مارس 1891، وبلغ عدد زوارها في أول عام حوالي 24.000 زائر (بلغوا الـ 5.000.000 في ذكراها المئوية)، وكان اختيار موقعها رائع لأنها كانت تواجه متحف الآثار بقصر الجيزة من جهة، وتواجه نهر النيل من جهة أخرى. وهكذا، كانت المنطقة مزاراً سياحياً ومنتجعاً صحياً ونزهة خلوية رائعة.

 
وفي نهاية حديثنا، نود أن نذكر ما كتبه "كرومر" عن حديقة الحيوانات بالجيزة في عام 1906، فقد قال: "إن الجنائن الواسعة التابعة للسراي التي أشادها إسماعيل باشا في الجيزة قد حولت الآن إلى جهة يقصد منها المنفعة العمومية، فجعلت منذ بضع سنوات حديقة للحيوانات يقصدها الكثيرون للنزهة، وربما قصدها بعضهم للعلم والاستفادة.
ويستطرد "كرومر": ذكرت في تقاريري السابقة أن رسم الدخول إلى تلك الحديقة أُنقص من قرشين إلى نصف القرش من أول يناير سنة 1905 لتسهيل الدخول على الطبقات الدنيا من الناس، فجاءت النتيجة طبق المرغوب، لأن عدد الزائرين بلغ 177.587 نفساً سنة 1905، و223.425 سنة 1906، وكان 64.741 سنة 1904، وبلغت قيمة ما تحصل من رسم الدخول 1707 جنيهاً مصرياً سنة 1906، وفي هذا المبلغ زيادة قدرها 322 جنيها مصريا عما يقابله في سنة 1904 مع أن الرسم أنقص عما كان عليه في تلك السنة.
ويستكمل "كرومر" حديثه قائلاً: هذا والمظنون أن الأفيال التي استخدمها هنيبال كانت إفريقية، ولكن لم يحاول أحد أن يجعلها داجنة في هذه الأزمان أو أن يدللها ويعلمها، إذ لو كان يمكن استخدامها لكان يحسن نقل الأثقال عليها، حيث يتعذر نقلها على الحمالين في جهات السودان النائية، التي لم يرتق فيها العمران.
وقد دار البحث على هذه المسألة منذ سنين أو ثلاث سنوات، فقر الرأي على تجربة ذلك. ولما كان هناك ستة أفيال صغيرة في حديقة الحيوانات وقد قضت فيها مدة من الزمن، فقد اغتنم الكابتن فلاور هذه الفرصة ووضع في هذا الموضوع تقريرا كثير الفائدة، لا يمنعني من إثباته برمته هنا غير ضيق المقام، وقد قال فيه (أنه يظهر أن الأفيال السنة تحكي الأفيال الهندية التي من قدها في الفهم وقبول العلم ولين العريكة)، وهو يرى أنه ليس هناك مانع قاطع من تذليل الأفيال الإفريقية وتعليمها غير أنه يقتضي لذلك نفقات، إذ لابد من وضع مقادير عظيمة من الطعام في الطرق التي تسير فيها.
وهناك صعوبة أخرى عظيمة، وهي كون الجهات التي يحتاج الناس فيها إلى استخدام الفيلة للنقل تكثر فيها الأفيال البرية، فيخشى عند ذلك أن الأفيال المذللة تشرد في الأباطح والمستنقعات بحمولتها، لاسيما وأن تذليلها لا يكون تاماً".


المراجع...

1 - Labuschagne, W.; Walker, S., Giza Zoological Gardens, Florida 2001, Pp. 331 – 333.
2 – Flowers, S.S., A List of Zoological Gardens of the World, (Zoologist), May 1909.
3 – Hadden, N., "The Giza Zoological Gardens", (Windsor Magazine, No. 29), 1909, P. 630.
4 – Giza Zoo Centenary, "100 the Anniversary", Giza, 1 March 1991.
5 – "تقرير عن المالية والإدارة والحالة العمومية في مصر وفي السودان سنة 1906"، رفعه جناب الإرل كرومر قنصل دولة إنكلترا الجنرال ووكيلها السياسي في مصر إلى جناب السير إدوارد جراي ناظر خارجيتها، مطبعة المقطم، القاهرة 1907، ص 166.