
بقلم: د. وائل إبراهيم الدسوقي ..
في فبراير 1875، أخذ "علي حسن" شيخ حارة قسم أول ببور سعيد كشف وفيات وذهب إلى مكتب الصحة، وتحدث إلى الطبيب "ماجي" بشأن طفل صغير مريض كان يسمى "محمد علي الصعيدي"، فاعتمد الطبيب على تشخيص الأعراض التي وصفها شيخ الحارة، ثم كتب للطفل مرضا في كشف وفاته من رأسه بناء على ذلك الوصف، وأمر بدفنه.
بعد ساعات، كانت أصوات النساء تعلو بالعويل حينما انتشر خبر وفاة ابن "علي الصعيدي" في البلدة، وكان الطفل ساكنا جامدا لا يتحرك، فقد توفاه الله.ذهب شيخ الحارة لإتمام إجراءات الدفن في مكتب الصحة، وقيد الطفل في دفتر الوفيات وختم شهادة وفاته بخاتم الصحة، وعاد إلى البلدة داعيا الأهل للبدء في غسل المتوفي "رحمه الله".
وحينما بدأ الغسل، وبدأ (المغسل) في سكب الماء على جثة الطفل، فإذا بالطفل ينتفض، واكتشف أهل الطفل أنه لا زال حيا، وأنها كانت إغماءة نتجت عن مرضه. فرح الأهل وعمت الأفراح البلدة..
وبعد أن هدأ أهل الطفل "محمد" قرروا عدم السكوت، وكتبوا شكوى في الطبيب وقدموها إلى ناظر الداخلية، وكان مبررهم لتقديم الشكوى هو (ونخاف أن نعيا وندفن واحنا حيين بمعرفة حضرة الحكيم "ماجي"، ...).


وأمر ناظر الداخلية ببدء التحقيق في الواقعة. وحينما تم سؤال الطبيب الأجنبي أقر بما فعله، لكنه برر موقفه أن المسافة بين مقر سكنه وبين البلدة كبيرة تبلغ 1500 متر، وذلك في غياب التأمين اللازم لتحركاته في القرى، وصعوبة تحركه كل تلك المسافة، فضلا عن النظام المتبع في مثل تلك الحالات، وهو عدم التحرك من مكتب الصحة للكشف عن الوفيات الطبيعية، فيكون تحركه فقط للكشف عن الوفيات التي تحمل شبهة جنائية.
ومن الواضح أنه بسبب تلك الحماية التي كان يتمتع بها الأجانب في مصر، وفي عصر الخديو "إسماعيل" بشكل خاص، لم تتخذ نظارة الداخلية أية إجراءات عنيفة مع الطبيب، واكتفت بحفظ التحقيق بعد سماع أقواله في الواقعة فقط.
