
بقلم: د. وائل إبراهيم الدسوقي ..
ترددت في الآونة الأخيرة أقاويل وآراء حول الوضع السياسي في مصر، وما يمكن أن تصل إليه الأمور، حاول البعض التهدئة، وحاول آخر إطلاق فزاعات، أهمها ما قيل عن تطبيق ما يسمى بالأحكام العرفية، وتردد ذلك الزعم في الصحف والمجلات والبرامج التليفزيونية. كلما حدث حادث جلل، تتجدد المخاوف من تطبيق الأحكام العرفية في البلاد. مذبحة ماسبيرو، أحداث محمد محمود الأولى، أحداث مجلس الوزراء، مذبحة بورسعيد، أحداث محمد محمود الثانية. تتجدد المخاوف وتتردد على ألسنة السياسي والإعلامي والبسيط، دونما أي تعليق من الطرف الآخر، الذي من المفترض أن من سلطاته تطبيق القوانين، وبالطبع عدم الرد بالنفي أو الإيجاب هو على هوى الطرف الأخير.
ترددت في الآونة الأخيرة أقاويل وآراء حول الوضع السياسي في مصر، وما يمكن أن تصل إليه الأمور، حاول البعض التهدئة، وحاول آخر إطلاق فزاعات، أهمها ما قيل عن تطبيق ما يسمى بالأحكام العرفية، وتردد ذلك الزعم في الصحف والمجلات والبرامج التليفزيونية. كلما حدث حادث جلل، تتجدد المخاوف من تطبيق الأحكام العرفية في البلاد. مذبحة ماسبيرو، أحداث محمد محمود الأولى، أحداث مجلس الوزراء، مذبحة بورسعيد، أحداث محمد محمود الثانية. تتجدد المخاوف وتتردد على ألسنة السياسي والإعلامي والبسيط، دونما أي تعليق من الطرف الآخر، الذي من المفترض أن من سلطاته تطبيق القوانين، وبالطبع عدم الرد بالنفي أو الإيجاب هو على هوى الطرف الأخير.
وعلى الرغم من أن العديد من المقالات الصحفية التي حاولت أن تلقي الضوء على تاريخ الأحكام العرفية وقانون الطوارئ، وأبرزها ما نشرته جريدة "المصري اليوم" في 31 ديسمبر 2005، تحت عنوان "قانون الطوارئ دخل مصر على دبابات الإحتلال"، وكذلك ما نشرته العديد من الصحف الأخرى، فضلا عن الأعمال العلمية والأبحاث القانونية، إلا أنه لا يزال العديد من الساسة يتشدقون بمخاوف وفزاعات الأحكام العرفية، التي تطبق فعليا في تلك الظروف التي نمر بها في البلاد بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير ولكن تحت اسم (قانون الطوارئ)، ولا مجال قانونيا لتطبيق ما يسمى بالأحكام العرفية.
ما هي قصة الأحكام العرفية ؟
حينما قامت الحرب العالمية الأولى في عام 1914، رأت الحكومة البريطانية أنه يجب وضع مصر تحت تصرفها، بكامل مرافقها ومواردها، وأعلن الجنرال "مكسويل" القائد العام للجيوش البريطانية في مصر في الخامس من نوفمبر 1914، "وأنه بما يمتلك من سلطات سيتخذ التدابير التي يراها مناسبة في مصر". وبذلك ستخضع مصر لسيادة بريطانيا أثناء الحرب، وحينما تسلم رئيس الوزراء المصري آنذاك "حسين رشدي باشا" هذا القرار من "مان شيتهام" نائب المعتمد البريطاني في مصر، أعلن الخضوع التام للسلطة العسكرية البريطانية.
وفي خلال أيام، أعلنت سلطات الاحتلال البريطاني، وضع مصر تحت الأحكام العرفية، والتي نصت علي حق سلطات الاحتلال في مصادرة الأموال واعتقال الأشخاص، وتسخيرهم في أية أعمال. وهكذا نقلت بريطانيا إلى مصر أحد قوانينها البغيضة، التي لم تشهدها مصر طيلة تاريخها، وأصبحت تصرفات الحكومة البريطانية في مصر خلال فترة الحرب وفقاً للقانون وباسمه وتحت غطائه.
وبعد تجربة تطبيق تلك الأحكام البريطانية في مصر أثناء فترة الحرب العالمية الأولى، قررت الحكومة المصرية إضافة هذا القانون ضمن مواد القانون المصري. وفي عام 1923 أصدرت الحكومة المصرية القانون رقم 15 (قانون الأحكام العرفية)، ونص علي إعلان الأحكام العرفية في حالة الحرب، أو تعرض البلاد لخطر داخلي أو خارجي. ونص على إعلان اسم من يتمتع بالسلطات الاستثنائية التي نص عليها هذا القانون سواء كان حاكماً عسكرياً أو غيره، إلا أن الحكومة لم تحدد الجهة التي من سلطتها تطبيق هذا القانون.
وفي عام 1939، قام "علي ماهر باشا" بعد اجتماعه بالقائد العام للجيش البريطاني في مصر، بعمل بعض التعديلات على القانون بما يتناسب وحالة الحرب التي كانت قد بدأت في أوروبا آنذاك. ولكن البرلمان المصري عارض تطبيق الأحكام العرفية بشدة، وأصر على مناقشتها، رغم أن القانون لا ينص علي ذلك، وتم تشكيل لجان لبحث الموضوع، إلا أن الملك فاروق أصدر مرسوما بإعلان الأحكام العرفية رغما عن أنف نواب البرلمان.
وكانت المرة الثالثة التي طبقت فيها الأحكام العرفية في عام 1948، بسبب اندلاع حرب فلسطين، ومشاركة القوات المصرية في الحرب، وقبل أن تعلن، قام الملك فاروق بتعديل على القانون يوسع فيه حالات إعلانها، وهو القانون رقم ٧٣ لسنة ١٩٤٨، ونص علي "جواز إعلان حالة الطوارئ من أجل تأمين الجيش المصري علي أرض فلسطين، وحماية طرق مواصلاته".
وحينما قامت ثورة يوليو في عام 1952، وجد الضباط أن هذا القانون أداة سحرية لتحقيق أهدافهم، وتولي اللواء "محمد نجيب" منصب الحاكم العسكري العام، ولم يمنع ذلك "جمال عبد الناصر" من انتزاع المنصب لنفسه، ثم اضطر إلي تركه لمحمد نجيب في مارس ١٩٥٤ بعد إعادته رئيساً للبلاد على أثر أزمة مارس، ولكن لم يلبث أن عين مجلس قيادة الثورة "جمال عبد الناصر" وكان رئيساً للوزراء حاكماً عسكرياً لمصر مرة أخري.
وتمادي مجلس قيادة الثورة في تشكيل المحاكم العسكرية، مرة باسم (محكمة الثورة)، ومرة أخري باسم (محكمة الشعب). وتوسع في إصدار الأوامر العسكرية التي كانت أداة للقضاء علي خصوم ناصر من السياسيين، وكذلك زملائه من الضباط الأحرار.
وبعد انتهاء دور الأحكام العرفية، وضبط كافة الأمور لصالح "جمال عبد الناصر"، في عام ١٩٥٤، تم إلغاء قانون الأحكام العرفية، وتم إصدار قانون جديد بديلا عنه، وهو القانون رقم ٥٣٣ لسنة ١٩٥٤، وتوسع القانون الجديد في الصلاحيات الممنوحة للحاكم العسكري للبلاد، فبعد أن كانت عمليات القبض تقتصر علي المشردين، والمشتبه فيهم في القانون القديم، أصبحت في القانون الجديد تشمل كافة المواطنين بلا استثناء.
وفي عام 1958، ألغي "جمال عبد الناصر" القانون، وأصدر قانوناً جديداً يحمل اسم (قانون الطوارئ) رقم ١٦٢ لسنة ١٩٥٨، وهو الذي يطبق حالياً، ويعد قانون الطوارئ متماثلاً إلي حد كبير مع القوانين السابقة له، لكنه لم يشر من قريب أو بعيد إلي منصب الحاكم العسكري العام للبلاد ولم يتضمن القانون أي ذكر لهذا اللفظ علي الاطلاق.
قانون الطوارئ ومرحلة قمعية جديدة:
على الرغم من عدم منح أي أحد صفة الحاكم العسكري في القانون الجديد، إلا أن قانون الطوارئ منح رئيس الجمهورية نفس السلطات والصلاحيات التي كانت ممنوحة للحاكم العسكري العام، وعلي الرغم من ذلك، لا يزال هناك نائب للحاكم العسكري العام يعينه الرئيس المخلوع "محمد حسني مبارك"، رغم أنه لا وجود للحاكم العسكري حتي يكون له نائب.
والاستمرار في استعمال مصطلح (الحاكم العسكري) يعد من الأخطاء القانونية، التي تم الاعتياد عليها في ظل الحالة التي تشهدها مصر.
ورغم أن الرئيس "جمال عبد الناصر" لم يطبق قانون الطوارئ لمدة ٩ سنوات متتالية حتي هزيمة ١٩٦٧، إلا أنه أصدر قانوناً شبيهاً ومكملاً لقانون الطوارئ بشأن التدابير الخاصة بأمن الدولة وهو القانون رقم ١١٩ لسنة ١٩٦٤، وكان يبيح الاعتقال ويوسع دائرته، واستخدمه ناصر ضد خصومه من السياسيين، وحينما تولى الرئيس "محمد أنور السادات" منصبه بدأ في اتخاذ اجراءات ومشاورات لإلغاء هذا القانون في عام ١٩٧٢.
قانون الأحكام العسكرية:
حينما ازدادت السلطات الاستثنائية للرئيس "جمال عبد الناصر"، طلب من مجلس الأمة، إصدار قانون باسم (الأحكام العسكرية)، وبالفعل تم إصدار قانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٦٦. وعلى الرغم من أن قانون الأحكام العسكرية جاء منظماً للإجراءات المتبعة بالنسبة للجرائم التي تقع من أفراد القوات المسلحة، إلا أن المادة السادسة منه أعطت لرئيس الجمهورية الحق في إحالة المدنيين للمحاكم العسكرية حال ارتكابهم الجرائم المضرة لمصلحة أمن الدولة من الداخل مثل (الإرهاب، وقلب نظام الحكم، وجرائم الدولة من الخارج مثل التجسس والانضمام لجيش العدو).
واستمر إعلان حالة الطوارئ منذ هزيمة يونيو ١٩٦٧ حتي ١٥ مايو ١٩٨٠، وبذلك تكون مصر قد خضعت للقانون لمدة ١٣ عاماً متواصلة، وهو مالم يحدث في عهد الاحتلال البريطاني نفسه.
وعقب اغتيال السادات في ٦ أكتوبر ١٩٨١، قام الرئيس المؤقت للبلاد رئيس مجلس الشعب الدكتور "صوفي أبو طالب" بإعلان حالة الطوارئ، واستمر الرئيس مبارك في إعلانها، والعمل بقانون الطوارئ منذ توليه الحكم في أكتوبر ١٩٨١ بدرجة متوسطة حتى أحداث الأمن المركزي في عام 1986، التي رفعت حالة الطوارئ فيها إلى الدرجة القصوى، ثم عادت إلى طبيعتها لترفع مرة ثانية إلى أقصى درجاتها القمعية في آخر عشر سنوات من حكم مبارك، وحتى قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير، والتي كانت من أهم مطالبها إنهاء حالة الطوارئ التي تطبق بالبلاد منذ عقود.