بقلم: د. وائل إبراهيم الدسوقي ..
وكان قرار الملك بأن يكون مقر "مؤسسة الثقافة الشعبية" بالقاهرة، وتكون تبعيتها المباشرة لوزارة المعارف العمومية. وحدد القرار مهام المؤسسة الجديدة، والتي تمثلت في العمل على نشر الثقافة العامة بين أفراد الشعب على أساس الرغبة والاستعداد الشخصي، فيما يساهم في إيقاظ الوعي القومي عن طريق العمل على رفع المستوى العام الفكري والاجتماعي. كذلك تنظيم دراسات علمية وعملية وفنية بقصد تكوين الشخصية وترقية الملكات ورفع المستوى الثقافي، والعناية بنواحي النشاط الاجتماعي والرياضي.
كانت المؤسسة تتكون من عدة شعب هامة، جاءت في مجملها صحوة حقيقية للثقافة الشعبية المنظمة، وهي: "شعبة الدراسات السياسية، شعبة الدراسات التاريخية، شعبة الدراسات الأبية، شعبة الثقافة العلمية، شعبة الدراسات المهنية، شعبة الدراسات الاجتماعية، شعبة الثقافة الصحية، شعبة الثقافة النسوية، شعبة الفنون الجميلة، وأخيرا شعبة اللغات الحية".
وهكذا، فإن المؤسسة قد اشتملت على أقسام يمكنها من خلالها أن تبدأ في مشروع ثقافي علمي حقيقي يمكنه أن يفيد مصر ورسالتها الثقافية آنذاك. وجاءت تبعية المؤسسة الجديدة لوزارة المعارف العمومية، فرصة للوزارة لنشر العلوم والثقافة بطريقة تربوية، فأعلنت عن قيامها بقبول طلاب للدراسة في المؤسسة الجديدة. وكانت الوزارة تضع لكل شعبة المناهج التي تتفق مع أغراض الدراسة فيها مع مراعاة المستوى الثقافي للطلاب المنتسبين إليها. وتنظم الدراسة في مقر المؤسسة وفي المراكز التي تختار لها في القاهرة وغيرها من المدن والقرى. كما نظمت المؤسسة إلى جانب الدراسة محاضرات عامة يلقيها الممتازون في فروع الثقافات المختلفة.
كان حق الانتساب إلى المؤسسة وكذلك الاستماع لما يؤدى فيها من دراسات أو يلقى فيها من محاضرات مباحا للجنسين على السواء، دون التقيد بمؤهلات دراسية خاصة. واعتبرت اللغة العربية هي اللغة الأساسية للتعليم في المؤسسة، ويجوز لمجلس المؤسسة استعمال لغة أجنبية في أحوال خاصة.
ومهمة مدير المؤسسة تمثلت في الإشراف على الإدارة العامة وتنفيذ القرارات، فضلا عن تحضير ميزانيتها وعرضها على مجلسها، وتدبير أعمال الموظفين والإشراف عليها. وكان يعاون المدير العام في جميع الأعمال سكرتيرا عاما، يعين بقرار من وزير المعارف العمومية، ويتولى ضبط وحفظ السجلات للمنتسبين، وحفظ أختام المؤسسة والإشراف على إدارة أعمال الحسابات، كذلك الإشراف على صيانة أبنية المؤسسة وأثاثها، وإعداد تقويم سنوي للمؤسسة والقيام بنشره.
وفي 15 نوفمبر 1848، تم تعديل المرسوم بشكل يضمن لوزارة المعارف هيمنة أكثر على المؤسسة، بتعيين وكيل وزارة المعارف العمومية في مجلسها، كذلك المدير العام لإدارة الثقافة العامة بالوزارة، بالإضافة إلى مدير عام المؤسسة, وكانوا ثلاثتهم يشكلون مجلس إدارة مؤسسة الثقافة الشعبية مع اثني عشر من المهتمين بشؤون الثقافة العامة، ويعينون بقرار من وزير المعارف العمومية لمدة ثلاث سنوات، وإذا حضر وزير المعارف المجلس كانت له الرئاسة. وكانت المؤسسة تقوم بندب المحاضرين والمدرسين في شعب المؤسسة المختلفة، وتقوم بطبع الكتب على نفقة وزارة المعارف دون غيرها.
واستمر العمل بالمؤسسة بنجاح حتى قامت ثورة يوليو 1952، وقرر مجلس قيادة الثورة لأول مرة في تاريخ مصر إنشاء وزارة خاصة بشئون الإعلام والاتصال في نوفمبر 1952، وأطلق عليها وزارة الإرشاد القومي، التي تغير اسمها إلى وزارة الثقافة والإرشاد القومي، ثم عادت مرة أخرى إلى وزارة الإرشاد القومي.
وتقرر نقل تبعية "مؤسسة الثقافة الشعبية للوزارة الجديدة, وأضفي وزير الثقافة آنذاك "ثروت عكاشة" بعدا جديدا عليها بإطلاق شعار جماهيرية الثقافة في عام 1965، وتقرر في ذلك الوقت إنشاء قصورا للثقافة، وكان عددها سبعة.
تولي إدارة تلك القصور عدد من كبار مثقفي مصر، نذكر منهم: "فاروق حسني، محمد غنيم، وعز الدين نجيب"، وكانت تجربة "عكاشة" من أروع التجارب الثقافية آنذاك، فقد ركز بثقل المؤسسة بالكامل على ما يسمى (الثقافة الموجهة)، فكانت قصور الثقافة مراكز خرج منها نجوم الثقافة في مصر، ومع نجاحها في مهمتها تنامي عددها فصار حاليا أكثر من خمسمائة موقع ثقافي.، خاصة بعد أن صدر القرار رقم 62 لسنة 1989، لتتشكل هيئة كاملة ومستقلة سميت "الهيئة العامة لقصور الثقافة". وتطورت أهدافها أكثر لتصبح هيئة مصرية تهدف إلى المشاركة في رفع المستوى الثقافي وتوجيه الوعي القومي للجماهير في مجالات: "السينما والمسرح والموسيقى والفنون الشعبية والتشكيلية ونشاط الطفل وخدمات المكتبات في المحافظات". وأصبحت منارة نمت على أكتاف مثقفي مصر بتشجيع جماهيري لم يسبق له مثيل.
