Responsive Ads Here

الأربعاء، 11 مايو 2011

مصر تنير الشرق


بقلم: د. وائل إبراهيم الدسوقي .. 

مثلت مصر بالنسبة للغرب في القرن التاسع عشر سحراً خاصاً، وفي عصر الخديو "إسماعيل" ازداد الولع بمصر والمصريين وحضارتهم، التي تنبعث من جديد بمشاريع الخديو التحديثية. فقد بنيت القصور التي كانت عبارة عن متاحف مسكونة بمحبي الفنون، وتشكلت زخارفها بكل ما يسر الأعين، وخططت القاهرة على نمط أوروبي جميل، ميادين فسيحة، وشوارع واسعة، وقصور ومباني، وجسور على النيل، وحدائق غنية بالأشجار وأنواع النخيل والنباتات النادرة التي يتخللها أكشاك الموسيقى. فأصبحت القاهرة الحديثة تحفة حضارية ينبعث منها عبير الشرق الساحر. بالإضافة إلى مشاريعه التنموية، التي تمثلت في شق الترع ومشروعات الري وإدخال محركات البخار ومد خطوط السكك الحديدية. فضلاً عن إتمامه لمشروع قناة السويس. 
وفي متحف "بارتولدي" بمدينة "كولمار" بفرنسا نجد ما يؤكد أن مصر كانت تمثل حالة خاصة لفرنسا تحديداً، ولأوروبا بشكل عام. ألوان مائية تشكل لوحة رائعة للفنان الفرنسي "بارتولدي" مرسوم عليها تمثال فلاحة مصرية (طولها 28 متراً، على قاعدة طولها 15 متراً)، تتزين بطرحة وعليه تاج رائع.
في نوفمبر 1855 أبحر "أوجست بارتولدي" Auguste Bartholdi (ولد في 2 أغسطس 1834 في بلدة كولمار بفرنسا) من ميناء "مارسيليا" الفرنسي على متن الباخرة "أوزوريس" إلى مصر ضمن بعثة فنية لدراسة الشرق، وقد كانت البعثة تهدف إلى تصوير آثار مصر في الأقصر والنوبة. وانبهر "بارتولدي" أثناء جولاته من ضخامة آثار مصر، ثم عاود بعد انتهاء البعثة وهو معجب بها كل الإعجاب.
وفي إبريل 1869 عاد "بارتولدي" إلى مصر، وفي نيته عمل مشروع ضخم. فقد طلب مقابلة "فرديناند دي ليسيبس" ليعرض عليه مشروع فنار ضخم، ولكن الأخير لم يتحمس لانشغاله بترتيبات حفل افتتاح قناة السويس.
ولم ييأس الفنان الشاب فاستقل القطار إلى القاهرة ليطلب مقابلة الخديو "إسماعيل، الذي أظهر اهتمامات برسوم "بارتولدي" ولكنه لم يعطه أي وعود بتنفيذ المشروع، ولكنه وعده بمقابلة أخرى لمناقشة الموضوع بعد أن يفكر. وكان الوعد بمقابلة ثانية في باريس بعد شهرين أثناء زيارة الخديو لفرنسا. ولكننا غير متأكدين أن تلك المقابلة قد تمت بالفعل، ولكننا نعلم أن المشروع لم يتم لسببين، أولهما: أن المشروع لم يكن يشكل ضرورة ملحة لدى الخديو "إسماعيل"، بعد أن نفذ عدة مشروعات مكلفة أرهقت خزينة الحكومة، وثانيهما: أن "دي ليسيبس" لم يتدخل لإقناع الخديو، بسبب أن هذا العمل الفني سيلفت الانتباه ويلقي بظله على قنـاة السـويس.
وبعد أن افتتحت القناة بعام واحد 1870، كان "بارتولدي" قد انتهى من عمل ماكيت أولي من الفخار لتحفته المعمارية الرائعة، التي أطلق عليها اسم "تمثال الحرية"، وكان الشبه بين التمثال الأخير والنموذج الذي تركه في قصر الخديو "إسماعيل" كبير، إلا أن طول التمثال زاد ثلاثة أمتار، وتلك الشعلة التي انتقلت لليد الأخرى، كذلك الرداء، فقد كان النموذج الأول يمثل فلاحة بملامح مصرية ورداء مصري. وفي النموذج النهائي أصبحت الملامح إغريقية. وبمرور الوقت تطور نموذج تمثال الحرية ليصل إلى شكله النهائي في عام 1875.
وبعد أن انتهى "بارتولدي" من تمثاله، وقبل عام من افتتاح تمثال الحرية، وجهت الاتهامات لبارتولدي بشأن إعادة استخدام تصميم مشروع تمثال السويس، وتحويله إلى تمثال الحرية. وكتبت صحيفة "نيويورك تايمز" تلك الاتهامات بشكل صريح، فرد "بارتولدي" قائلاً: "لم يُصنع للخديوي أي شيء سوى نموذج مبدأي صغير ظل في قصره، وهو يمثل مصر في شكل فلاحة".
وحاول "بارتولدي" أن يوحي للجميع أن المشروعين ولدا في عقله متزامنين، وأن تمثال "الحرية تنير العالم" ليس إعادة استخدام لتمثال "مصر تنير الشرق" بعد رفضه في مصر من جانب الخديو. وسرعان ما هدأت الاتهامات حينما بدأ الاستعداد لتدشين تمثال الحرية الذي أصبح رمزًا للحرية وللحلم الأمريكي (Symbole de la Liberté et du Rêve Américain).

المصادر:

  • Belot, R.; Bermond, D., Bartholdi (Paris 2004), 468.
  • Vidal, Pierre. Frédéric-Auguste Bartholdi 1834–1904: Par la Main, par l'Esprit. Paris: Les créations du pélican, 2000.
  • Pear, R., Iacocca and Secretary of Interior Clash Over Statue Panel Ouster (The New York Times, 06 – 06 – 2006).
  • Statue of Liberty National Park: History (The New York Times, 07 – 02 – 2007).
  • Statue OF Liberty, http:// www. americanparknetwork. com/ parkinfo/ content.asp? catid=85& conten ttypeid=35#1511.
  • www. daghettotymz.com/.../whosliberty.html
  • Khan, B.Z., The Democratization of Invention: Patents and Copyrights in American Economic Development, 1790 – 1920 (Cambridge University Press 2005), 299.


* الصورة الأولى: بارتولدي
** الصورة الثانية: تمثال الحرية ونظيره تمثال الفلاحة (مصر تنير الشرق)