Responsive Ads Here

الأربعاء، 11 مايو 2011

من سلطان إلى ملك وقانون رقم 25



بقلم: د. وائل إبراهيم الدسوقي .. 

بعد صدور تصريح 28 فبراير 1922 أعلن الشعب المصري معارضته، لتضييق التصريح لشقة الخلاف بين مصر وإنجلترا، وحصره في تحفظات أربعة لم تحل مسألة العلاقات بين البلدين.
ومع حصول مصر على استقلالها المشروط، تحولت البلاد إلى الحكم الملكي، فأصبح السلطان فؤاد ملكاً في 12 مارس 1922، ودخلت مصر حقبة جديدة من تاريخها امتدت جيلا كاملا، بدت في أثنائها للعام والخاص ألوان من المشكلات ترتبط بالوضع الخاص الذي ادعته إنجلترا لنفسها، بحيث أدرك الجميع ألا تقدم حقيقي للبلاد إلا بجلاء المحتل. كذلك بدأت فترة جديدة من الصراع بين قوى الشعب المصري الذي لم يجن ما علقه على ثورة 1919 من آمال، والملكية التي انتهزت فرصة تحقيق استقلال البلاد الذاتي لتحيي أتوقراطية "محمد علي باشا" والخديو "إسماعيل"، والمحتل الذي كان يلعب أحيانا من وراء ستار، وأحيانا بشكل سافر.
وفي خضم تلك الأحداث، كان الملك مشغولا بتحديد العلاقات بين الأسرة المالكة، فالنظام الملكي الجديد له أسس يجب تحديدها. ولذلك قام الملك بوضع نظام لتوريث عرش المملكة المصرية في 13 أبريل 1922، النظام الذي حدد سلطات الملك ومزاياه، وكيفية انتقال العرش من بعده. وكان من البنود الملفتة للنظر في النظام الجديد أن النساء لا يرثن العرش أياً كانت طبقتهن، كذلك مسألة زواجهن بغير إذن الملك، فضلا عن تحديد نظام الوصاية إذا كان الملك قاصرا.
وبالطبع كان النظام الملكي الجديد مربكا لكل الأسرة المالكة، وكان يجب تحديد العلاقة فيما بينهم، ووضع لائحة نظامية لهم وتحديد مهامهم وسلطاتهم. وبالفعل كان القانون (25)، الذي صدر في 10 يونيو 1922.
وبعد عرض اللائحة على مجلس الوزراء، وبموجبها كان للملك حق الولاية على أسرته ويعتبر رئيس أسرته، على ألا يخل ذلك بحقوق الملك وسلطته التي جرى بها العرف. وتقرر إنشاء مجلس لمعاونة الملك في تولي السلطة.
وقرر الملك أن يطلق لقب الأمير على أولاده وأحفاده ومن لهم ولاية العهد، أيضاً أخوة الملك وأخواته الأشقاء، وأولاد ولاة مصر وخديويها وسلطانها وأولادهم، وزوجات الأمراء وأراملهم حتى يتزوجن. وتقرر أن يطلق على أولاد السلطان حسين لقب صاحب السمو.
وكان لقب الأمير ينتقل بالوراثة من صاحبه إلى أكبر أبنائه، ثم إلى أكبر أبناء ذلك الابن الأكبر، وهكذا طبقة بعد طبقة. وإذا توفي أكبر الأبناء قبل أن ينتقل إليه اللقب، كان انتقاله إلى أكبر أبنائه، ولو كان للمتوفي أخوة، فإذا لم يكن للأمير ذرية انتقل اللقب إلى أكبر إخوته ثم إلى أكبر أبنائه وهكذا على الترتيب السابق. ولا يمنع حرمان أمير من لقبه من انتقال ذلك اللقب بطريق الإرث وفق القاعدة المتقدمة، وذلك ما لم ينص في قرار الحرمان على خلاف ذلك.
وكان يشترط في الأمراء والأميرات بأن يولدوا من زيجة شرعية، وأن يكونوا مسلمين، كما كان يشترط أيضا في الأمراء أن يكونوا مصريين. وبالطبع كانت تجري على أمراء الأسرة المالكة العلوية وأميراتها أحكام الشريعة الإسلامية وقوانين المملكة المصرية، إلا ما استثني في هذا القانون.
وإذا أراد أمير أو أميرة أن يعقد عقد زواجه، أو أراد من له الولاية على أمير وأميرة أن يزوج موليه، وجب عليه أن يحصل على إذن الملك بذلك. فإذا صدر له الإذن أثبته رئيس الديوان الملكي في سجل خاص وأبله إياه كتابة. وجاز أن يشترط في إذن الزواج الصادر للأميرة أو وليها أن ينص في عقد زواجها بمصادقة زوجها على أن تكون عصمتها بيدها أو بيد من يعين في الإذن. وإذا تزوج الأمير أو الأميرة بغير إذن أو وقع الزواج على خلاف الإذن وكانت الزوجة أو الزوج غير حائز على لقب الإمارة، فللملك أن يقرر بأمر ملكي حرمانه من لقب الإمارة. وللملك أن يقرر حرمان ذرية الأمير من تلك الزيجة من ذلك اللقب، أو أن يقصر الحرمان على تلك الذرية، أو أن يقصر الأمر على حرمان الزوجة من أن تستمد الإمارة من زوجها. وكان للملك أيضا أن يحرم من اللقب الأمير الذي عقد الزواج لموليه القاصر.
وكانت الحكومة المصرية تصرف مبلغا شهريا للأسرة المالكة، وللملك الحق الكامل في تعديل تلك المخصصات أو قطعها بصفة نهائية أو مؤقتة، وهذه المخصصات لم يكن يجري عليها التوارث، ولا يجوز الحجز عليها أو التنازل عنها لغير نفقة، ولا يجوز أن ينفذ الحجز أو التنازل أو كلاهما معا في أكثر من ثلث المخصص.
وحددت اللائحة مهام وتقسيمات مجلس البلاط الجديد، والذي كان يؤلف من أمير من الأسرة المالكة من أقرب أقرباء الملك والذي يعين بأمر ملكي، كذلك يضم رئيس مجلس الشيوخ أو أحد كبراء الدولة الحاملين لتبة الرئاسة أو الامتياز، فضلا عن وزير العدل ورئيس الديوان الملكي وشيخ الجامع الأزهر (وكيله في غيابه، وضم أيضا رئيس محكمة النقض أو وكيله، ورئيس المحكمة العليا الشرعية أو نائبه، ومفتي الديار المصرية أو أحد أعضاء المحكمة العليا الشرعية في غيابه.
وكان يشترط في أعضاء المجلس أن يكونوا مسلمين، فإن لم يتوفر هذا الشرط في أحدهم عين بدله بأمر ملكي. ولا يكون انعقاد المجلس صحيحا إلا بحضور خمسة من أعضائه على الأقل.
كان مجلس البلاط أحيانا ينعقد لمناقشة أمر من أمور الأحوال الشخصية التي تختص بها المحاكم الشرعية، وفي تلك الحال وجب أن يحضره الأعضاء الشرعيون جميعهم، وتصدر قراراته بأغلبية الآراء، وعند تساوي الآراء يكون الرجحان للجانب الذي فيه الرئيس.
في حالات الحجر على أحد أقارب الملك أو رفعه، فكان يجب أن يضم المجلس أحد أقارب صاحب الشأن، ويكون رأيه استشاريا. وفي حال طلب أمير من الأمراء أو أميرة أو زوج أميرة أن يفارق زوجته، وجب عليه قبل ذلك أن يقدم طلبا إلى الملك يعرض به رغبته، فإذا رأى الملك محلا للتوفيق بين الزوجين، ولم ير أن يتولى ذلك بنفسه أحال الأمر على مجلس البلاط، الذي كان في بعض الأحيان يستدعي الزوجين لسماع أقوالهما وشهادة الشهود، فإذا تعذر الإصلاح بين الزوجين وصدر الطلاق يسلم المجلس وثيقة بذلك.
وقرارات مجلس البلاط بتعيين الأوصياء أو الوكلاء أو استبدال غيرهم بهم، فكانت تعرض على الملك للتصديق عليها، ولم يكن جائزا للمحاكم الشرعية والحسبية أن تنظر قضية تدخل في اختصاص المجلس، إلا إذا صدر أمر ملكي برفعها إليها.
لقد كان الملك يعامل أسرته بصرامة، وخاصة في حالة ارتكاب أحد الأقرباء جريمة أو أي أمر يخل بكرامة الأسرة المالكة، وكان للملك حق إصدار قرار بطرد الأمير من الأسرة وحرمانه من لقبه لعدم جدارته بالانتساب إليها، وكان قرار الملك في ذلك نهائيا.
وكان التبليغ بوفاة عضو من الأسرة المالكة أو ميلاد عضو جديد إلى رئيس ديوان الملك ومعه كاتم سر مجلس البلاط، وكان كاتم السر يتولى إثبات ذلك في سجل خاص في الديوان، ويقوم بدوره بتبليغ وزارة الصحة العمومية بالمواليد والوفيات. أما أولاد الملك فيتم التبليغ بميلادهم ووفاتهم إلى رئاسة مجلس الوزراء، وكانت تقيد في سجل خاص يحفظ بها، ولم يكن يحق لمن صدرت ضدهم قرارات الحرمان من لقب الإمارة بالتبليغ في كافة الأحوال، فقد أصبحوا أفرادا من عامة الشعب.
وقد ألحق بهذه اللائحة أمر ملكي مؤرخ بـ 21 يونيو 1922، يحدد اللقب الذي يطلق على من ينتسبون لمؤسس مصر الحديثة "محمد علي باشا"، والذين لا يحق لهم حمل لقب الأمير، وقرر الملك أن يكون اللقب المناسب لهم هو لقب "النبيل". وقرر كذلك أن يلحق بلقبهم اسم "صاحب المجد".
على أية حال، أصبح بموجب قانون (25) للأمراء نظام خاص حدد لهم مهامهم وألقابهم وطرق زواجهم وطلاقهم، وكان ذلك يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على المجتمع المصري، فقد ازداد نفوذ أعضاء الأسرة المالكة في المدن المصرية وقراها، وهكذا، فالمجال مفتوح أمام الباحثين لدراسة تاريخ مصر في العصر الملكي، الذي يتضمن العديد من المسائل التي تستحق الدراسات المستفيضة في كافة المجالات.

** الصورة في الأعلى للملك فؤاد الأول