Responsive Ads Here

السبت، 21 مايو 2011

الهلال والصليب .. المغزى والهدف



بقلم: د. وائل إبراهيم الدسوقي .. 

انتشرت في المنتديات وموقع الفيسبوك والتويتر نقاشات وجدال كبير حول اتخاذ الهلال والصليب كشعار للوحدة الوطنية، وبرر البعض أن ذلك وليد اللحظة وانفعال مؤقت سوف يزول مع الوقت، وبرر آخرون بأنه انفعال مصطنع، وذهب البعض إلى البحث على الإنترنت لجلب أحاديث نبوية تحرم استخدام الصليب، وقالوا أن التعاطف واجب، ولكن مع عدم اقتران الهلال والصليب في شعار واحد، بل أن بعض المسيحيين رفضوا تداخل الهلال مع صليبهم. ومن الثابت أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتخذ الهلال شعار للإسلام، فلا نعلم للهلال أصل شرعي، ولم يكن معروفا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد أصحابه رضي الله عنهم، ولا في عهد التابعين، وهكذا فالهلال ليس من سنة المسلمين، وإنما انتقل إليهم من غيرهم. وسنعلم كيف انتقل الهلال إلى المسلمين من غيرهم، حينما نقرأ في التاريخ جيدا، ونتفحص المصادر القديمة.
من المعروف أن ملوك الدولة العثمانية رسموا الهلال كعلامة رسمية أخذوها عن القياصرة، وأصله أن والد الإسكندر الأكبر لما هجم بعسكره على بيزنطة، وهي القسطنطينية، وجد أن أهلها يدافعون عن المدينة بضراوة وقت السحر، وهو الثلث الأخير من الليل وكان القمر هلالا، وطردوه عن البلد، فتفاءلوا أهل المدينة به واتخذوا رسم الهلال في علمهم الرسمي تذكيرا للحادثة، وورث ذلك منهم القياصرة، ثم العثمانية لما غلبوا عليها، ثم حدث ذلك في بلاد قازان.
هذا هو درس التاريخ، وعليه فإن أهل الإسلام بدأوا يتناولون الهلال كشعار بهذا الشكل، وبدأ الحكام في سنوات لاحقة يضعون أهلة على المساجد التي يشيدونها أو التي يجددونها من عصور سابقة، خاصة وأن المباني لم تكن لتصمد كثيرا مثل أيامنا، نظرا للفيضانات ومخرات السيول التي كانت تحيط بالمدن، خاصة وأن العمران لم يكن متوغلا في الصحراء مثل أيامنا.
وقد يسأل البعض لماذا توضع تلك الأهلة على رؤوس المآذن، وبالبحث في دروب التاريخ وجدنا أن وضع الهلال على المساجد قد جاء من تقليد المسلمين لغيرهم فيما يصنعونه على معابدهم، ووضعوا الهلال بإزاء وضع المسيحيين الصليب على معابدهم وخاصة في البلاد الأجنبية التي فتحوها، ثم انتقل هذا التقليد إلى بلادهم. كما سموا دور الإسعافات للمرضى الهلال الأحمر بإزاء تسمية المسيحيين لها بالصليب الأحمر، وعلى هذا، لو تحدثنا بأن التشبه بأصحاب الديانات الأخرى حرام، فإنه بالقياس فوضع الأهلة على رؤوس المنارات حرام من أجل هذه الشبهة، ومن أجل ما فيها من إضاعة المال والوقت.
وفي القرآن إثبات واضح لوظيفة الهلال حينما قال الله تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) الآية189 سورة البقرة. وبذلك تقع اللائمة على من يتخذون النجمة شعارا للإسلام أيضا، فقد قال الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ..) الآية97 سورة الأنعام.
والغائب عن البعض أن الهلال هو رمز صريح للماسونية وعبدة الشيطان وفرسان مالطة وساحرات الإنكا، كذلك فإنه شعار للعديد من الديانات الوثنية القديمة، ولو جعلنا الدين يطلق كلمته، فإن الهلال من البدع التي يجب إبطالها، فشعار الإسلام الصحيح هو لا إله إلا الله.
أما الصليب فله أصول قديمة سبقت المسيحية نفسها، واتخذه المسيحيون شعارا لهم لتشبهه بمعتقدهم أو بمعنى أدق فلسفته بما يتناسب ومعتقداتهم. ودعونا نتتبع الصليب في الحضارات القديمة، فالصليب هو صولجان أبوللو مع عبارة بطليموس المنقذ، فيما عرف بعد ذلك بالصليب اللاتيني. كذلك هناك الصليب الفورشي، وكان شائعا كصليب يستخدم في الديكور في بداية القرون الوسطى، وهذا الصليب مصمم بشكل يرتبط بروابط قديمة مع العصا المتشعبة السحرية. وهناك صليب الستيك، هو في الأصل رمز هندوسي قديم، واستخدمه المسيحيون بمثابة علامة للقبر. كذلك صليب آشور الشهير، وهو قريب الشبه من علامة الزائد أو الجمع في الحساب بحروف مستديرة، وهو يرمز إلى الإله الآشوري الذي حكم الزمن والفصول وهو مصور كوجه رجل وأسد وثور ونسر، وهذا الصليب مع الدوائر قد استخدم بعد ذلك في التمائم اليهودية قبل ظهور المسيحية.
إن الصليب كان من الرموز الشائعة في الحضارات القديمة وتم توظيفه في الدين، من الصلبان التي كانت ترمز في الحضارات القديمة إلى الاتجاهات الأربعة واتجاهات الكون والذكورة والأنوثة وشواهد القبور وعصا السحر، ثم كأداة في حادثة الصلب واتخاذ المسيحيون له شعارا يذكرهم بتلك الحادثة التي يعتقدون في صحتها.
وبعيدا عن اتخاذ هذا لشعاره وذاك لشعاره، فقد بارك شيوخ الأزهر وشيوخ الإسلام في ثورة 1919 اتخاذ شعار الهلال والصليب متجاورين في علم واحد، وكان مبررهم لذلك رغم كل المحاذير الدينية، أنه يجب أن يظهر للمحتل ومثيري الفتن أن هناك وحدة وطنية حتى لا ينفرط عقد الشعب المصري الذي يتصل ببعضه في تجانس وشعور بالألم في الشدائد، وقد حاولت دولة الاحتلال كثيرا غرس بذور الفتنة بين الطرفين، إلا أنه وفي كل مرة يرفع شعار الهلال والصليب ليحرق بذرتهم في مناخ عاقل متفهم لطبيعة الأحداث وطريقة إدارتها. وفي تلك الأثناء لم ترفع نداءات بحرمانية اقتران الشعارين، أو ما شابه من تلك الدعوات الغير مناسبة في وقتها، والتي يمكنها أن تؤجج نار الفتنة أكثر وأكثر، ولا نعلم العدو الخفي الذي يكمن وراء تلك النداءات. والأمر اللافت للنظر ازدياد الدعوات بأن إلقاء التحية على المسيحيين حرام، أو تهنئتهم في أعيادهم حرام، فإن ذلك يخالف أمرا مباشرا من الله حينما قال تعالى (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) آية8 الممتحنة. (لقد قال تعالى: أن تبروهم وتقسطوا إليهم). ومسيحي مصر لم يقاتلونا وتعايشوا معنا طوال مئات السنين، حاربنا أعدائنا سويا، ودافعنا عن حريتنا سويا، بل وكانت هناك عناصر مسيحية كثيرة حاربت الصليبيين والمغول جنبا إلى جنب مع المسلمين، فهناك عدو مشترك يجب مواجهته لرفعة الوطن وبقاءه، بعيدا عن الكلام في حرمانية اتخاذ شعارات موضوعة، وخلق نقاشات خرقاء، فالدماء التي تسيل بعد أي عمل إرهابي، ليست دماء مسيحي أو مسلم، بل هي دماء وطن. فلنرفع جميعا شعار: أنا مصري ضد الفتنة.