Responsive Ads Here

السبت، 17 سبتمبر 2022

كلمتي في ندوة الخليج في الخرائط التاريخية بنادي تراث الإمارات

 

د. وائل إبراهيم الدسوقي ..  


سعادة الأستاذة الفاضلة فاطمة المنصوري مدير مركز زايد للدراسات والبحوث، الأستاذ العزيز بدر الأميري. السادة الباحثون الأجلاء، الصديق الدكتور علي عفيفي، العالم الكبير الأستاذ الدكتور عبد الله المغني، الباحث المتميز الأستاذ محمد حسين.. السادة الحضور. صباح الخير، أهلا وسهلا ومرحبا بكم. 

سوف أتحدث اليوم في موضوع عن "الخليج العربي في الخرائط التاريخية: الأهمية والتسميات". ومن المعروف أنه منذ عصر الكشوف الجغرافية الكبرى (أواخر القرن الخامس عشر للميلاد)، وعبر فترة الاحتلال البرتغالي للخليج العربي التي امتدت منذ عام (ألف وخمسمائة وسبعة 1507 وحتى عام ألف وستمائة وخمسون 1650)، كتب عددٌ غير قليل من الرحالين والمؤرخين البرتغاليين عن المنطقة وأحداثها، وتركوا لنا وثائق ونصوص وخرائط في غاية الاهمية. إلا أنه بالنظر إلى الواقع الفعلي لتاريخ الخليج، فقد كان الاهتمام به وبموقعه يعود إلى حضارات قديمة، فقد وصلنا أنه كان يسمى "بحر أرض الإله" حتى الألف الثالثة قبل الميلاد، ثم تغير اسمه إلى "بحر الشروق الكبير" حتى الألف الثانية قبل الميلاد. وأطلق عليه الكلدانيون "بحر بلاد الكلدان". ثم عرف باسم "بحر الجنوب" خلال النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد. سماه الآشوريون والبابليون والأكاديون "البحر الجنوبي"، وأطلق الأشوريون عليه اسم "نار مرتو" أي "البحر المر".. وحينما تولى الملك الإخميني "داريوس" الحكم في الفترة من عام (خمسمائة وواحد وثلاثون 531 – وحتى عام أربعمائة وثمانية وستون  486 ق.م) أطلق عليه "بحر فارس". كما يقال أن "الإسكندر الأكبر" هو من أطلق عليه هذا الاسم بعد رحلة موفده أمير البحر "نياركوس" عام ثلاثمائة وستة وعشرون 326ق.م، ويرجع السبب في ذلك أنه عندما عاد من الهند بأسطوله بمحاذاة الساحل الفارسي، لم يتعرف على الجانب العربي من الخليج.. وعن طريق اليونان تسربت التسمية للغرب واستعملها بعض العرب حتى منتصف القرن العشرين. وفي القرن الأول الميلادي أطلق عليه المؤرخ الروماني "بليني وبلينوس الأصغر" لأول مرة اسم "الخليج العربي".

وكانت عمان والقطيف والبحرين والبصرة موانئ انطلاق رئيسية للسفن وذات أهمية كبرى في تاريخ الخليج العربي قديما، فقد سماه العرب في خططتهم "بحر البصرة"، وأحيانا أخرى "خليج عمان"، "خليج البحرين"، "خليج القطيف"، "بحر القطيف"، وقد استخدم الاسم الأخير النحوي العربي "الخليل بن أحمد الفراهيدي"، والجغرافي "ياقوت الحموي"، والمؤرخ "خليفة بن خياط". كذلك أطلق عليه العباسيون اسم "خليج العراق".

ومن الشائع أن حركة الكشف الجغرافي لمنطقة الخليج العربي بدأت بشكل دقيق منذ رحلة "نيبور" في أواخر القرن التاسع عشر والتي تحدث عنها الدكتور علي عفيفي تفصيلا أثناء عرض ورقته، ولكن بالبحث وجدنا أنه كانت هناك بعض الجهود لاستكشاف الخليج العربي قبل ذلك بكثير، فمن أقدم الخرائط التاريخية التي وصلتنا والتي توضح موقع الخليج العربي هي خريطة "ابن خلدون" الذي عاش ما بين عامي (ألف وثلاثمائة وإثنان وثلاثون 1332 – ألف وأربعمائة وستة 1406م)، لكنها لم تطلق عليه أي اسم. ومن الخرائط القديمة التي وصلتنا أيضا خريطة لمؤلف مجهول من منتصف القرن الخامس عشر الميلادي وتحديدا منذ عام (ألف وأربعمائة وخمسون1450 – إلى  ألف وأربعمائة وخمسة وسبعون 1475) كتب عليها في موضع الخليج باللاتينية "خليج فارس". وفي القرن السادس عشر وتحديدا عام ألف وخمسمائة وتسعة وثمانون 1598 وجدنا خريطة لرسام مجهول يظهر عليها اسم "بحر القطيف"، وعلى الخريطة نفسها كتب أيضا "الخليج الفارسي".

سماه العثمانيون في خرائطهم "بصرة كورتيري" أي "خليج البصرة"، وكذلك "خليج العجم"، وأطلق عليه رسام الخرائط "بيتر بريتوس" عدة تسميات، ففي عام ألف وستمائة 1600 رسم خريطة بعنوان "وصف بلاد فارس" أطلق عليه فيها اسم "سينوس أرابكوس" أي "الخليج العربي"، وفي عام ألف وستمائة وعشرة 1610 رسم خريطته "وصف بلاد العرب" وأطلق على الخليج اسم "بيرفيكوس سينوس" أي "خليج فارس"، وفي العام نفسه أطلق عليه اسم "مير القطيف" أي "بحر القطيف" في خريطة له حدد فيها حدود الإمبراطورية العثمانية. وفي خريطة للمهندس الإنجليزي "جون سبيد" رسمها عام ألف وستمائة وستة وعشرون 1626 أطلق عليه اسم "بحر القطيف". وكذلك أطلق الرسام الهولندي "جونسون" الاسم نفسه فيما بعد في عام 1640.

وفي عام ألف وستمائة وأربعة وثلاثون 1634 نشر الأطلس الصغير الذي أعده كل من رسامي الخرائط "ميركاتور" و"هندويس" خريطة ظهر فيها الخليج وقد كتب عليه باللاتينية اسم سينوس أرابيكوس Sinus Arabicus أي الخليج العربي. وظهرت التسمية بوضوح في خريطة فرنسية قديمة منذ عام ألف وستمائة وسبعة وستون 1667، تشير إلى الخليج العربي بأنه سين أرابيك Sein Arabique، أي "الخليج العربي". ولكن لا يعني ذلك تسليمهم بنسبته إلى العرب، فقد نشرت مجلة الجمعية الجغرافية الملكية الهولندية خريطتين للخليج العربي عام ألف وتسعمائة وسبعة 1907، كانت الخريطة الأولى بعنوان "خريطة للخليج الفارسي"، وهي نسخة من خريطة بالاسم نفسه نشرت عام ألف وستمائة وستة وأربعون 1646 بمجلة سفينة القبطان "كورنيلس روباكر".

على أية حال، حينما بدأ الاهتمام الغربي بالخليج العربي، كان الهدف من استكشافه تحديد أوجه الاستفادة منه. ولم تضعه البرتغال وبريطانيا وفرنسا فقط في بؤرة اهتمامهم، بل اهتمت هولندا وألمانيا ومصر والدولة العثمانية، وغيرها. وعلى سبيل المثال، وصلتنا مجموعة من الخرائط الاستشفافية قرر "تشارلز فريديرك دانفرز" في أواخر القرن التاسع عشر نسخها عن أصول رسمت خلال النصف الثاني من القرن السابع عشر، لرسام هولندي مجهول، وهي محفوظة حاليا في الأرشيف الوطني الهولندي.

وخلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، ازداد الاهتمام الغربي، البريطاني على وجه الخصوص، بمنطقة الخليج، وبناء على طلب أعضاء مجلس إدارة شركة الهند الشرقية الإنجليزية، تم تكليف "جورج بارنز براكس" قائد سلاح البحرية الملكي بعمل مسوحات مثلثية للخليج، ورسم خرائط بناء على المسوحات، وتم ذلك بالفعل في الفترة من (ألف وثمانمائة وعشرون1820 – ألف وثمانمائة وتسعة وعشرون 1829)، ودُونت أسماء الأماكن على الخرائط باللغتين العربية والإنجليزية، مع معلومات تفصيلية عن ساحل الخليج العربي ومياهه، بما في ذلك توثيق مغاصات اللؤلؤ، وضفاف الصقور والمياه والمناطق الضحلة. ورسمت التضاريس على الخرائط بالتظليل موضحة بقياسات العمق. وهي تعد من أوائل الخرائط العلمية للخليج العربي، وفيها جرى مسح  الساحل من رأس مسندم على أطراف رأس الخيمة إلى أبوظبي بواسطة الملازمين "ج.م. جاي"، و"ج. ب. بروكس"، خلال عامي (ألف وثمانمائة وواحد وعشرون ١٨٢١، ألف وثمانمائة وإثنان وعشرون ١٨٢٢)، اللذان قاما أيضا بمسح المنطقة من أبوظبي إلى رأس ركن بقطر خلال عامي (ألف وثمانمائة وثلاثة وعشرون ١٨٢٣، ألف وثمانمائة وأربعة وعشرون ١٨٢٤)، كذلك من راس ركن إلى خور عبد لله بالكويت بواسطة الملازمين "بروكس"، و"و.إ. روجرز" عام ألف وثمانمائة وستة وعشرون ١٨٢٦. واستمرت المسوحات على هذا النحو حتى وصلت إلى بوشهر جنوب إيران في عام ألف وثمانمائة وتسعة وعشرون ١٨٢٩.

كان القرن التاسع عشر يتميز برسم صورة واضحة للخليج العربي في خرائطه، نظرا لاستخدام وسائل علمية أكثر دقة. وقد قسم العلماء حركة الكشف العلمي للخليج خلال القرن التاسع عشر إلى مرحلتين. الأولى، التي تتفق نهايتها مع ظهور خريطة "ريتر" عام ألف وثمانمائة وإثنان وخمسون 1852. وأول رحلات تلك الفترة هي التي قام بها "سبانيارد ليبلش" الذي ذهب إلى مكة عام ألف وثمانمائة وثلاثة 1803 وحدد موقعها بواسطة ملاحظاته الفلكية، ووصف الطرق المؤدية من الساحل إلى مكة والمدينة، وبذلك استطاع أن يحصل على قصب السبق في جمع المعلومات الجيولوجية والنباتية والمناخية والطبوغرافية الخاصة بالحجاز. وأعقب ذلك رحلة "سيتزن" عام ألف وثمانمائة وتسعة 1809 الذي زار فيها صنعاء وعدن، كذلك رحلة "بوركهارت" عام ألف وثمانمائة وأربعة عشر 1814 التي كشف خلالها بعض الأجزاء الشمالية من الخليج العربي. ونتيجة لجهود رحالة هذه المرحلة وملاحظاتهم، كلف مجلس إدارة شركة الهند الشرقية قائد سلاح البحرية الإنجليزي "جورج بارنز" عام ألف وثمانمائة وثلاثون 1830 برسم خريطة للخليج بعد القيام بمسوحات مثلثية جديدة، وكانت الخريطة بعنوان "خليج فارس". ونشرت في فهرس خاص احتوى على تقارير مطبوعة، وسجلات قياسات المساحين، ومذكرات، وخرائط"، تم إيداعه في غرفة الخرائط في مكتب الهند، ونشر كاملا عام ألف وثمانمائة وثمانية وسبعون ١٨٧٨.

وفي أواخر العقد الثالث من القرن التاسع عشر، استطاع "جيمس ويلستد" أن يجمع بعض المعلومات عن الأجزاء الخصبة في عمان وما حولها. كما قام المستكشف "والين" بزيارة دواخل شبه الجزيرة العربية عام ألف وثمانمائة وخمسة وأربعون 1845، ثم قام برحلة من ساحل ميديان إلى واحة تيما فحائل. وقد أوضح "رينر" نتائج كل الرحلات السابقة في الخريطة التي نشرت في عام ألف وثمانمائة وإثنان وخمسون 1852.

وتأتي المرحلة الثانية من حركة الكشف الجغرافي العلمية للخليج، والتي ازدهرت خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لتزداد المعلومات الجغرافية نتيجة جهود كل من كابتن "ميلز" و"موكالا" اللذان استطاعا مسح مساحة شاسعة من شبه الجزيرة العربية. وانتهت تلك المرحلة بنشر "ديفيد هوجارث" لكتابه "اختراق الجزيرة العربية" عام ألف وتسعمائة وخمسة 1905، والذي احتوى على عدة خرائط مهمة لعمان وجنوب وغرب الحجاز، تعد من المرجعيات التاريخية المهمة.

وفي تلك المرحلة رُسمت خريطة للخليج العربي موضح عليها فئات السلطات السبع التي تحكمه، محددة بخطوط حمراء متقطعة. وهي الخريطة التي طبعها مكتب قائد الإمداد والتموين البريطاني عام ألف وثمانمائة وثلاثة وستون ١٨٦٣. وفي تقرير إدارة الشئون السياسية في بومباي بقيادة "لويس بيلي"، والمرسل إلى سكرتير عام الحكومة البريطانية عام ألف وثمانمائة وثلاثة وستون 1863 عن القبائل الخليجية وتجارتها، والموارد بساحل الخليج، تم إرفاق خريطة توضح كافة البيانات المدونة بالتقرير. كذلك يوجد مجلد يحتوي على سبع خرائط للخليج العربي، محفوظ في مكتبة "مكتب الحرب البريطاني" منذ عام ألف وتسعمائة وثلاثة ١٩٠٣، وهو عبارة عن تقرير ضخم مطبوع نشرته إدارة الاستخبارات والتعبئة يوضح معلومات ذات أهمية بحرية وعسكرية وسياسية عن أماكن متعددة في الخليج. ونصائح حول جمع المعلومات عن الأنظمة الدفاعية، وحقول الألغام، والمعدات الحربية. وفي العام ألف وتسعمائة وسبعة 1907 نشر المقدم "ويلفرد ماليسون" يوميات له بعنوان "يوميات رحلة في االخليج الفارسي والجزيرة العربية"، وهي الرحلة التي سلكها من مسقط إلى البصرة، ثم المحمرة، وصولا إلى بغداد. وتأتي أهمية هذه الرحلة من أنها نشرت أول خريطة لجزيرة مسندم العمانية.

وأخيرا، لم تكن كل الخرائط التي رسمت خلال تاريخ الخليج العربي تهدف إلى تحديده سياسيا فقط، لكن الاهتمام الغربي بالخليج شمل أيضا جوانبه الاقتصادية المختلفة، وتم تدوين بياناتها على خرائط مهمة، فمثلا، نشر في عام ألف وتسعمائة وأربعة عشر 1914 تقرير مهم يتعلق بصيد اللؤلؤ في الخليج، سلط الضوء على محاولات دخول الفرنسيين والألمان وغيرهم في هذه التجارة. وهدف إلى ضمان مصالح البريطانيين السياسية والاقتصادية في مجال صيد اللؤلؤ، وتقديم اقتراحات باستخدام معدات صيد حديثة. وتضمن أيضا خريطتين تابعتين للأميرالية توضحان مصائد اللؤلؤ في الخليج العربي بدقة.

إن الهدف من رصدنا للخليج العربي في الخرائط التاريخية، ليس لحصر مسمياته أو إثبات أهميته التي لا غبار عليها. ولكن لندرك أن الخليج العربي لم يكن مجهولا عند الأقدمين كما يروج البعض، فقد ترك لنا التراث الإنساني ما يدل على معرفة عميقة به في الحضارات القديمة لا يمكن إنكارها. أشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.