Responsive Ads Here

السبت، 15 أبريل 2017

الخليج العربي وحملة الشرق


بقلم: د. وائل إبراهيم الدسوقي .. 

بعد قيام الثورة الفرنسية عام 1789، أرادت الجمهورية الجديدة أن تسير على المخطط السياسي التقليدي للدبلوماسية الفرنسية، والتي كان تتسم بالصداقة والتسامح والنفوذ السلمي في بلاد الشرق، ذلك النفوذ الذي دشنه "فرانسوا الأول" عند توقيعه لاتفاق الامتيازات الأجنبية مع الباب العالي؛ فأرسلت حكومة فرنسا عدة بعثات إلى الشرق، وتوجه المبعوثات "أوليفييه" و"بروجيير" إلى شواطئ الخليج العربي وإيران عن طريق العراق.
وقد أثارت هذه البعثات حفيظة البريطانيين، فأرسلوا تعليماتهم إلى المقيم البريطاني العام في "بوشير" ليراقب ويوقف إذا دعت الحاجة نشاط الرسل الفرنسيين الجدد. وحاول الرجل أن ينفذ تعليمان لندن، لكنه لم يوفق واستمرت البعثات الفرنسية المستمرة في عملها، غير أن النتائج العملية التي حصلت عليها كانت زهيدة للغاية، فتوقف نشاط تلك البعثات سنة 1798. وفي هذه السنة سجلت بريطانيا خطوة إلى الأمام في ساحل مسقط، حيث أتاح الفرنسيون لها أن تتخطاهم. أما في شبه الجزيرة العربية وإيران، فقد تضاعف نشاط الفرنسيين، وتكللت المساعي بالنجاح النسبي.
وفي هذه الفترة ذاتها أبحر "نابليون" إلى مصر، والذي كان اسمه كافيا لبعث الرعب في الإمبراطورية البريطانية. وقد حرص على كسب بعض الحكام في المنطقة، ومنهم السلطان العماني "سلطان بن أحمد"، فكتب إليه قائلا: "أكتب إليكم لأبلغكم بوصول الجيش الفرنسي إلى مصر. ولما كنتم دائما أصدقاء لنا, فعليكم أن تقتنعوا برغبتي في حماية جميع سفن دولتكم". ولم تصل رسالته لأن الإنجليز اعترضوها.
كان نابليون يحاول تقفي آثار الإسكندر الأكبر، وحلم بتكوين إمبراطورية شرقية تقضي على نفوذ لندن. وأكدت المصادر في مواضع كثيرة أن بريطانيا بدأت مع تحركات نابليون حالة من القلق، فكتب "هنري دانداس" سكرتير وزارة الحربية البريطانية إلى اللورد "جرانفل" يوم 13 يونيو 1798 قائلا: "نابليون يبذل أقصى جهده لتحاشي الصدام في البحر، فهو يعلم بأن قدراته ضعيفة في هذا المجال، وأعتقد بأنه يخطط للوصول إلى هدفه عن طريق حلب وبغداد، تلك الطريق التي سار فيها الإسكندر من قبل، ليتجه من هناك إلى الجنوب مارا بشواطئ الخليج، ثم الهند". وقد ذكر المؤرخ "جاك بيريبي" أن ذلك التقرير أثار ضجة عظيمة في لندن ثم بومباي، ولم يهمل الإنجليز شيئا من شأنه أن يساعد ولو بالقليل على إحباط مشروع وحلم نابليون. وانطلق المبعوثون والعملاء في كل الاتجاهات ليشتروا هذا ويتآمروا على ذاك، تارة متوعدين وطورا متوسلين..
من التعليقات الطريفة على ذلك الارتباك في السياسة البريطانية آنذاك، أن بعثاتهم كانت دائما كالنحلة الحبيسة في زجاجة، يتحركون بناء على تعليمات متناقضة بين لندن وبومباي. وكتب "بيرسي سايكس": "يظهر أن عبقرية نابليون قد سيطرت على أعدائه، حتى أن مشروعاته الوهمية الخيالية كانت تسبب لهم إزعاجا ليس له مثيل".
وبعد الفشل النسبي لفرنسا في ساحل مسقط، بدأ نابليون يسجل بعض الانتصارات، فقد أرسل مبعوثيه إلى اليمن وشيوخ سواحل الخليج فاستقبلوا بالترحاب. وتحالف مع الوهابيين في شبه الجزيرة وكانوا يسيطرون على قسم كبير من سواحل الخليج، ولعل ذلك كان بسبب إشاعته في العالم العربي أنه سيعتنق الإسلام وأن فرنسا كلها ستقتفي خطاه. كذلك استطاع كسب تأييد شاه إيران لمشروعاته، وطلب منه مساندته ضد روسيا عام 1805، إلا أن الحرب انتهت سريعا قبل أن تتحرك بريطانيا لإفشال الحلف، لكنهم قدموا رشوة مالية إلى الشاه أدت إلى طرد الفرنسيين من أراضيه. وبالرغم من مساعي بريطانيا لإفشال مخططات فرنسا، إلا أن الخليج العربي ظل مفتوحا للفرنسيين ينتظر قرار نابليون، لكن القدر لم يمهله وانقلبت الحال سريعا وتم نفيه، فلم يحقق حلمه بأن يكون مقدوني العصر.

* نشر في مجلة تراث الإماراتية | عدد إبريل 2015