Responsive Ads Here

الاثنين، 24 أبريل 2017

عرب وترك: الحركة العربية في الخليج العربي


بقلم: د. وائل إبراهيم الدسوقي .. 

يتضح من مذكرات "أسعد داغر" أنه حضر اجتماعا سريا عقد في الأستانة عام 1914، كانت الغاية منه إزالة سوء التفاهم بين العرب والترك، وأكد أن العرب في تلك الفترة لم يخطر ببالهم أن ينفصلوا عن السلطة العثمانية.
أما "سليمان فيضي" أحد أقطاب الحركة العربية في البصرة، فيذكر أنه أثناء لقاء بينه وبين "لورنس" في عام 1916 في مكتب مور بدائرة الاستخبارات العسكرية بالبصرة، رفض أن يقوم بثورة ضد الأتراك، مما أدهش لورنس، لأنه لم يكن يتوقع هذا الرفض، فقد قال فيضي له نصا "إنني شخصيا لست أرى مبررا إلى الانتقام من الترك، أما نضالنا في السر والعلن ضد الحكومة العثمانية فكان في نطاق الشئون الداخلية، ولغرض الحصول على بعض الحقوق المشروعة التي كانت الحكومة قد أنكرتها على الشعوب العربية، وللمطالبة بالإصلاح الداخلي". ويتضح من ذلك أن العرب كانوا في تلك الحقبة يشعرون بعدم الرضى عن الحكم التركي، إلا أنهم لم يفكروا بأكثريتهم في الانفصال عن الدولة العثمانية، لكن ذلك لم يمنع قيام حركة عربية سياسية قوية هدفت إلى الانفصال عن الترك، وكان للخليج العربي نصيب فيها.
لقد ذكرنا في مقال سابق أن استقلال دول الخليج العربي لم يكن منحة من بريطانيا، ولكنه نتاج لحركة عربية بدأت منذ بدايات القرن العشرين، مما أدى بدوره إلى زيادة اليقظة والوعي لدى أبناء الخليج، الذي حصل على استقلاله بعد كفاح طويل. فيرى الدكتور "مصطفى النجار" في إحدى دراساته أن العلاقات العربية التركية توترت بوتيرة متزايدة في مستهل القرن العشرين، وعلى وجه التحديد بين عامي (1908 – 1914) في عهد تركيا الفتاة، وطرأت عليها تغيرات جذرية، ذلك أن العرب استمروا في مطالبتهم بالإصلاح، غير أن هدفهم الأساسي بالاستقلال التام والسيادة العربية القومية من الأمور التي طرأت على تفكير أبناء الخليج فيما بعد، وليس في أول الأمر.. فقد اندفع الخليج العربي لتأييد جمعية الاتحاد والترقي التي نجحت حركتها الانقلابية عام 1908، وأصبح الخليج يرى المستقبل بعيون متفائلة. فانتمى كل من زعيم البصرة السيد "طالب النقيب" وحاكم المحمرة الشيخ خزعل وأمير الكويت الشيخ مبارك الصباح إلى الجمعية.
وبعد خلع السلطان "عبد الحميد" عام 1909 أخذت الجمعية تدعو إلى عثمنة الولايات وإذابة كل القوميات الأخرى في بوتقة تركية خالصة. فتحول الموقف بين الخليج العربي وتركيا إلى العداء، لأن ذلك يتنافى مع الحركة العربية النامية، فأصبح الطريق الوحيد للحفاظ عليها هو المطالبة بالاستقلال سواء من تركيا أو من الهيمنة الغربية على المنطقة، فاشتدت الحركة العربية وهب دعاتها إلى مقارعة الاتحاديين في العلن، وازداد التوتر بين أمير الكويت الشيخ مبارك الصباح والشيخ خزعل والسيد طالب النقيب من جهة والجمعية من جهة أخرى، حتى قرر الترك الضغط على الشيوخ وإضعاف سلطتهم، فبدأ الهياج يعم أرض الخليج وانضمت بعض القبائل إلى البصرة الثائرة وهوجمت السفن التركية بالسلاح، حتى أضحت سلطة الترك في المنطقة إسمية ولا معنى لها. 
واستمرت حركة التمرد الخليجي ضد تركيا حتى خارت قوى رجالها في الخليج، فانتقل الصراع من مرحلة الكفاح المسلح إلى الكفاح السياسي بتأسيس جمعية البصرة الإصلاحية، فتخطت الحركة العربية بذلك مرحلتها المحلية إلى بيئة قومية أوسع. وبالطبع حاولت بريطانيا القيام بتشجيع الخليج على مقاومة الترك بشتى السبل لأن كل ذلك يصب في مصلحتها، وهي لا تعلم أن أبناء الخليج العربي قد عزموا على الاستقلال التام من كافة صور السيطرة الأجنبية على أرضهم، حتى أنه عند قيام الحرب العالمية الأولى عام 1914 لم تقبل معظم العشائر الخليجية التعاون مع بريطانيا ضد تركيا، فقد تغلب شعورهم العاطفي لدولة الخلافة الإسلامية، ووقفوا موقف المترددين، ولكنهم حسموا أمرهم بتحقيق المثل الشعبي البحريني القائل "أنا وأخوي عا ولد عمي .. وأنا وولد عمي عا الغريب"... 

* نشر في مجلة تراث الإماراتية - عدد يونيو 2015