
بقلم: د. وائل إبراهيم الدسوقي ..
تعددت الرؤى التي يتناول بها الأدباء العرب قصص الحرب في أعمالهم، وتدرجت كثيرا عبر عشرات السنين من الكتابة، فبعد أن كانت الأحداث تدور في الرواية الحربية حول البطل الملتزم صاحب الأخلاق المثالية الذي يدعو إلى حب الوطن والتضحية في سبيل الدفاع عنه، ذلك البطل الإيجابي الثوري أو البطل المحبط سياسيا واجتماعيا فتدعوه الظروف إلى الهروب والانغماس في بوتقة الحرب، وبيان التغيرات النفسية التي تعكسها أحداث المعارك على شخصيته للوصول إلى رؤية جديدة للحياة. أصبحت الكتابة عنها تلتقط معاناة الشعوب وترصد تجاربها من إحباطات وأفراح وانكسار ونهوض، وكل المشاعر الإنسانية المتضاربة.
وساعد على اختلاف طريقة تناول صورة البطل في الحرب أن حروبا استحدثت في العالم العربي جاءت بعد مرحلة طويلة من المد القومي والشعور بالذات وتضخيمها، وهي الحروب الأهلية، ومن أبرزها الحرب اللبنانية في ثمانينيات القرن العشرين، والتي ألقت بظلالها من جديد على الكتابة الروائية الحديثة، ولكن بتناول أجرأ بكثير عن تلك الرؤى الروائية المعروفة، فأبطالها غير الأبطال الذين تعودنا القراءة عنهم، مما يجعلها من الأعمال التي يجب قراءتها بعناية وهدوء، وربما نجد بعد سنوات قليلة أعمال مشابهة تتناول مأساة الحرب في سوريا عبر إبراز معانيها الإنسانية دون التركيز على بطولة فرد أو جماعة.
وقد وصل إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر) لعام 2016 روايتين من أدب الحرب، اشتركتا في الحديث عن الحرب الأهلية اللبنانية، الأولى "حارس الموتى" للكاتب اللبناني "جورج يرق"، وفيها يترك شريدها حياة الشارع ليحمل السلاح وينصهر في بوتقة المعارك، فيعرف القتل والدم، ويعرف معنى فقدان أقرب الأصدقاء، فيقرر ترك السلاح والعودة إلى حياة التشرد، ثم العمل في إحدى ثلاجات الموتى، يتأمل الجثث ويعيش معها يأنس بها، ويراقب تحولاتها، إلى أن يتم خطفه من مجهول، فيبدأ في التساؤل عما فعله ليستحق الخطف، فتتفجر في سطور الرواية كل المعاني الإنسانية التي أفرزتها حياة الحرب في لبنان.

* نشر في صحيفة العرب اللندنية (عدد 10196، السنة 38، 29 يناير 2016).