Responsive Ads Here

الأربعاء، 3 سبتمبر 2014

المشروع النووي الإيراني بين الواقع والمأمول - الحلقة الثانية


بقلم: د. وائل إبراهيم الدسوقي .. 

تابع:

الغموض الإيراني والتعنت الأمريكي:
اتسمت سياسة إيران بالغموض, مما يشكل قلقا لدى الرأي العام الدولي المعقد, والذي يثير الكثير من الأسئلة. فما هو الشكل المناسب لعلاقة إيران مع العالم؟ وماذا تخشى؟ وماذا تريد؟
إن موقف إيران يشكل خطرا غامضا على السياسة الأمريكية التي تصفها دائما بأنها سياسة مضللة، وأن سوء الفهم هو السبب في عدم تقارب وجهات النظر. ورغم المساعي الدبلوماسية التي تدعو للتهدئة, فقد ظهر المهيجون, وأدى ذلك إلى رفع لهجة الخطاب السياسي في إيران, وتجاهل النظام الأمريكي, واعتقد الإيرانيون أن محالفة أمريكا دليل على الضعف, وأن التكتيكات الصعبة يمكنها أن تسفر عن نتائج أسرع. وبالعودة إلى الخلف, وإلى عام 2002 تحديدا, كان الرئيس (محمد خاتمي) قد أشار بود إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وبعد أحداث 11 سبتمبر, نددت إيران بالعدوان على أمريكا, وخلقت تلك الأزمة الأمريكية مساحة تعاون بين إيران وواشنطن، وحينما قررت واشنطن توجيه ضربة عسكرية إلى طالبان، تحقق الحلم الإيراني القديم بالقضاء على هؤلاء، ووجهت كل جهودها لمساعدة القوات الأمريكية في توجيه ضربات عسكرية ناجحة ضد طالبان. وبدلا من مكافأة إيران على موقفها من العدوان أو مساعدة القوات الأمريكية على طرد طالبان من أفغانستان, ودعمها للتحالف وتقديم معلومات استخباراتية إلى القوات الأمريكية عن قوات طالبان, فإنه في المقابل وجدت إيران نفسها وبصورة ميلودرامية عضوا في "محور الشر" Axis of Evil كما وصفهم "بوش" في خطابه, واتهمهم صراحة بمحاولة زعزعة استقرار الحكومة الجديدة في أفغانستان، وإيواء أعضاء من قوة طالبان الفارين من وطأة الضربات الأمريكية، مما جعل الإدارة الإيرانية تصاب بصدمة من الموقف الأمريكي المتعنت بعد أن كانت الآمال كلها تتعلق بعلاقات أكثر دفئا.
ورغم تراجع الموقف الأمريكي, كان هناك الحرص على تحسين العلاقات الدبلوماسية مع إيران, ولكن بعد غزو العراق أخمدت كل المحاولات, فقد كان بوش وإدارته في حالة اقتناع تام بأن الحرب الخاطفة في العراق ستخيف إيران وترغمها على الخضوع, فلا حاجة للدبلوماسية, وعلى حد زعم إدارة "بوش" (نحن لا نحتاج للكلام مع الأشرار). وعلى الرغم من ذلك، عرضت المقترحات بإجراء مفاوضات واسعة من شأنها معالجة أزمة البرنامج النووي الإيراني, وتحديد علاقتها بالمعارضة العراقية وزعماء حماس وحزب الله وغيرها, في مقابل العلاقات الدبلوماسية الكاملة وإنهاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران. ولكن في المقابل، كان الموقف الأكثر غرابة من "أحمدي نجاد" رئيس النظام الثوري الإيراني، والأكثر مزاجية في معالجة الأمور المصيرية في إيران والمنطقة، حينما عمل على التشكيك في الحقائق التاريخية للمحرقة اليهودية، وعلى الرغم من أن الكثير من الحقائق التاريخية والبراهين ما يؤكد رأيه. إلا أن ذلك وغيره من الأمور لا تدل إلا على شيء واحد وهو محاولته استفزاز الغرب وإسرائيل, في الوقت الذي ما تزال ذكرى أزمة الرهائن (1979- 1980) قابعة في الأذهان، والتي اعتبرتها الولايات المتحدة جرح لم يلتئم بعد، وملف مفتوح للتطور، فضلا عن التوسع الإيراني في سياسة اغتيال المعارضين والتعاون مع حزب الله وحماس والنظام السوري. والتي تعتبرها الولايات المتحدة جماعات إرهابية, وبدأت الهتافات تدوي من جديد (الموت لأمريكا).
بداية الخطر على الأيديولوجية الإيرانية:
ونظرا لأهمية المسألة الإيرانية لدى الولايات المتحدة والغرب, فقد كان الإنتاج الفكري في موضوع إيران غزيرا، ونتجت مئات المؤلفات في الفترة من عام 2007 وحتى عام 2008 التي تناولت فكرة ضرورة إحباط المشاريع الإيرانية ومعالجة المشكلة بصورة أكثر واقعية, وأن حل المشكلة يتمثل في معالجة التنافس الإيراني الإسرائيلي.
وقلت شعبية نجاد من جراء أعماله المتهورة, حتى أنه كاد أن يفشل في الحصول على فترة رئاسية جديدة في الانتخابات التي جرت في صيف 2009، مما أدى إلى وقوع صدامات قوية بين الثيوقراطيين والديمقراطيين. وهكذا، فنجاد كان على العكس من (آية الله خامنئي) الذي أعلن صراحة أنه لو أثبتت أمريكا أن العلاقات معها في مصلحة إيران فسوف يكون أول من يؤيدها. ولكن الولايات المتحدة تجد الخطر الفعلي في إيران، وتصاب بالذعر حينما يندد أحد زعمائها بالسياسة الأمريكية. ونظرا لما خلفته الأحداث من عدم الثقة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية, فإن إدارة "أوباما" واجهت عقبات هائلة في محاولة لتهدئة الأمور. ولكن تصريحاته مثلت على الأقل إمكانية وجود أمل في محاولة التهدئة، ولو لفترة زمنية قصيرة.
وعلى الصعيد الأوروبي، يرى الأوربيون أن إيران تملك دائما مقومات القوة, والتي تتمثل في مركزها المرموق كمصدر رئيسي للنفط، فضلا عن أنها تعد من أوائل الدول التي تمتلك احتياطي نفط مناسب, وأمام أوروبا يضع هذا الطرح إيران في ثقل موازي لروسيا. خاصة وأن أوروبا تعتمد على استيراد النفط والغاز الطبيعي تحديدا من الخارج، وربما تحتاج إلى إيران لتعويض النقص المتزايد في موارد النفط. وكان لتلك المسألة الدور الرئيسي في تعظيم (الأنا) الإيرانية.
إن النظام الثوري دائما ما يثير المتاعب، خاصة لو تعلق الأمر بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية. وبالنسبة لإيران, كانت وما زالت تدعم الأحزاب الشيعية. وتهدد بإغلاق مضيق هرمز, وتنفيذ مخططها النووي. وبذلك أصبحت إيران هي الخطر الكبير الذي يواجه الولايات المتحدة في الشرق. كذلك الخوف الإسرائيلي من توعد إيران بإزالة الدولة الصهيونية من الوجود، وأنها ستمحى من صفحات التاريخ, كذلك فتطوير إيران للصواريخ بعيدة المدى يهدد أمن إسرائيل، خاصة وأن حرب 2012 الأخيرة على غزة والقطاع قد ظهرت فيها أسلحة إيرانية الصنع فاجأت إسرائيل، بل ودعتها إلى طلب الهدنة والوساطة من مصر وبعض الدول العربية. ولذلك تترسخ في مخيلة إسرائيل أن هناك شبح لمحرقة جديدة. ويخشى آخرون من سباق الأسلحة المتسارع في المنطقة، ورغبة بعض الدول العربية في تحقيق التوازن مع أسلحة إيران النووية، كذلك الخوف من الأقاويل التي تردد أن أسلحة إيران النووية يمكن الحصول عليها من تجار الأسلحة الأجانب ما دامت الأموال متوفرة لتغطية ذلك.
وعلى الرغم من تعنت إيران, فإن هزيمة الجمهورية الإسلامية حتمية من خلال أمرين، أولهما، نظرة سريعة حول خريطة القوى المستنفرة في المنطقة، فنجد أنها تشتمل على حلقة من القواعد والمنشآت الأمريكية حول إيران, كذلك القوات المسلحة القريبة في الهند وإسرائيل وباكستان وروسيا. وثانيهما، أن إيران دولة معزولة تماما ومحرومة من كافة الاستثمارات ومداره بطريقة غير طبيعية، وتعتمد اعتمادا كليا على صادرات النفط, وتعاني من استنزاف طويل لثرواتها البشرية التي تهاجر إلى الغرب بالآلاف من أفضل عقلياتها العلمية.
في الواقع, فشلت إيران في تحقيق أهدافها الدينية والدنيوية، وجاءت ثورتها الإسلامية بأيديولوجية ناقصة, فابتعدت عن روح الإسلام ونظرت إلى ظاهره. واهتمت بالرموز الإسلامية كالملبس والتعاملات الحياتية, وأسكتت المعارضة بحملات شرسة على الصحافة وحملات التطهير. وبالطبع، انتشرت الأقاويل التي تردد أن أعداء إيران هم السبب في عدم تقدم الدولة, لأنهم يخشون أن تكون إيران نموذجا إسلاميا سينتصر على الأيديولوجيات الرأسمالية والاشتراكية. وحاول النظام الإيراني ترويج فكرة أن النضال الإيراني يهدف إلى انتصار العدالة ضد الطغيان العالمي. وبالطبع ومن خلال هذه الفكرة عارض الإيرانيون النظام الأمريكي الذي يعتبرونه تجسيد للظلم الدنيوي وانعدام العدالة. ورغم كل ذلك, دائما تحاول إيران تجنب الاحتلال المباشر من قبل الغرب, ففي مخيلة إيران دائما ذلك التحالف الأمريكي البريطاني من أجل إسقاط حكومة "محمد مصدق" وإعادة الشاه في عام 1950, في مقابل شروط أفضل للحصول على النفط الإيراني. كذلك تدعيم نظام "صدام حسين" في الحرب العراقية الإيرانية (1980 - 1988)، وذكرى إسقاط طائرة مدنية إيرانية من قبل البحرية الأمريكية. ورأى المحللون أن التشجيع على حرب إيران كان محاولة لاستنزاف الثورة الإسلامية. وخلق جو من المعارضة الداخلية للنظام الإيراني, مما أدى إلى خلق شخصيات مثل "أحمدي نجاد". والذي بمجرد استلامه السلطة تم الاستعاضة عن السفراء أصحاب الخبرة الدبلوماسية بالعقائديين, وذلك يعد تفسيرا للغطرسة الإيرانية في مواجهة العمل الدبلوماسي الدولي في السنوات القليلة الماضية.
وبالطبع يعرف النظام الإيراني أن الرأي العام في إيران لم يعد يثق في وعود الثورة الخيالية، مما يشكل دافعا للدفاع عن النفس أمام الجماهير، وقيام إيران بتخصيب اليورانيوم اللازم لصنع قنبلة نووية، ويرى البعض أن إيران تفعل كل ذلك لكي تضع أي مخطط استراتيجي للمنطقة يدخل في حساباته الدور الإيراني، وما يمكن أن يؤديه، وأن كل المخططات الأمريكية التي تدور في الخفاء مستترة بالحشود العسكرية تلعب على هذا الأساس.
إن تحقيق المشروع النووي الإيراني ليس مستبعدا، ولا يمكن اعتباره مجرد تهديد، أو أن توجهات إيران اختلفت بعد نشوب الحرب في سوريا، فهناك عوامل كثيرة تساعد على تحقيقه مثل الرقعة الشاسعة غير المستغلة، والتي تعطي إمدادات بطاقة تقليدية كبيرة، وسجل كبير من الأبحاث النووية وتطوير الصواريخ بعيدة المدى والتوسع في برنامج تخصيب اليورانيوم، وعلى الرغم من أن الوقود المخصب سيستهلك في تشغيل المفاعلات النووية، ولكن هذا المشروع ضروري للمحافظة على ماء الوجه أمام الشعب الإيراني المترقب. فتحقيق أحد رموز الثورة الإيرانية أكثر أهمية من فائدته عمليا. وفي رأي النظام الثوري الإيراني فإنه سوف يعالج مشاكل داخلية وخارجية في آن واحد. وهكذا، فإن مجرد إظهار إيران لقدرتها على تصنيع السلاح النووي يعمل على الإخلال بتوازن القوى في المنطقة، ومع ذلك فإن النجاح في تصنيع السلاح النووي لاستخدامه كسلاح ردع هو من الأمور المستبعدة، لأن استخدامه سيؤدي إلى الفناء. ومعرفة النظام الإيراني جيدا أن منح مثل تلك الأسلحة للقوى المعادية لإسرائيل مثل حماس وحزب الله سيثير غضب إسرائيل وكافة القوى الإقليمية. وبعبارة أخرى، فإن المشروع النووي الإيراني هو وسيلة لإبراز القوة وجزء مهم من استراتيجية بقاء النظام الإيراني.