Responsive Ads Here

الثلاثاء، 5 نوفمبر 2013

عبادة إيزيس السرية والماسونية


بقلم: د. وائل إبراهيم الدسوقي ..

كان وجود "جمعية إيزيس السرية" التي عبدت "إيست" الربة المصرية القديمة سراً في كل موانئ البحر المتوسط من المبررات القوية التي اتخذها البعض لاعتبار تلك الجمعية من أصول الماسونية.
ويظهر من الآثار المصرية الباقية إلى هذا العهد أن صناعة البناء والهندسة كانت عندهم في غاية الإتقان، ويستدل من تاريخهم أن الذين كانوا يرسمون تلك الأبنية، ويناظرون على بنائها هم فئة من الكهنة، ولم يكونوا يعلمون هذه الصناعة لعامة الشعب، وإنما كانوا يستخدمونهم في نقل الأحجار من أماكنها وتقطيعها، ويختارون من بينهم من يعهدون إليه نحتها على مثل جماعة البناءين، الأمر الذي حمل بعضهم إلى القول بـأن الجمعية الماسونية فـرع مـن الكـهانة المصريـة، أو أنها ظهرت في العصر المسيحي أو بعد الفتح الإسلامي لمصر، واستدلوا على صدق دعواهم بأدلة كثيرة، لكن لم يستطع أحد منهم إثبات شيء نظرا لما تقتضيه صحة الكلام عن منشأ الماسونية في مصر.
على أية حال، في كثير من الأحيان اعتبر الماسون أن ديانتهم هي الديانة المصرية وأماكن إقامتهم بمثابة المعابد المصرية القديمة، وهم أنفسهم بمثابة رجال الدين المصريين. كما رأى البعض أن عبادة إيزيس في العصرين البطلمي والروماني هي أكبر الدلائل على عمق النشاط الماسوني في التاريخ البشري، وفى محاولة لإضفاء طابع من الموضوعية، فلابد من معرفة رؤية الماسونية لتلك العبادة، والتي سموها في التراث الماسوني "جمعية إيزيس السرية المصرية القديمة"، التي يحاول الماسون بها أن يؤصلوا للماسونية، ويجعلونها اللبنة الأولى في صرح الماسونية العالمية، فيقولون:
"أن أصل الماسونية كان من مصر، فقد كانت توجد جمعية إيزيس التي اتسمت بطابع السرية في كل شيء، وكانت ذائعة الصيت في سائر أنحاء العالم، وكان يقصدها الطالبون من أنحاء شتى. لا يقبل فيها إلا من تم التحري عنه وثبت حسن نواياه، ومن هنا ينول أسرار الجمعية (ويقصدون هنا أسرار الماسونية).
وكان الماسون يسومون الطالب عند قبوله مشقات عظيمة تختلف بين تخويف وتهديد، حتى إذا جازها بثبات قالوا أنه تغلب على الشر فيلقنونه الأسرار، وكيفية ذلك أنهم كانوا يأتون بالطالب بعد الإقرار على قبوله فيمرون به على امتحانات شتى، ثم يوقفونه أمام أحد الكهنة المدعو "أوزيـر" (وهو عندهم نائب الإله أوزير) جالسا على كرسي مرتفع وبإحدى يديه سوط، وبالأخرى عقافة (عصا معقوفة من أعلاها) رمزاً عن العدالة والإحسان.
يقف الطالب جزعاً من هول الموقف فيسألونه عن سيرة حياته، وكل عمله ويدققون عليه كثيراً، فإذا لم يروا في سيرته ما يمنع إتمام قبوله يسلمونه إلى قائد متنكر على رأسه غطاء كلب يسير به في أتياه من الطرق تغشاها الظلمات إلى أن يصلوا إلى مجرى من الماء فيقف به وفى يده كأس فيه ماء، ويخاطب الطالب قائلاً: أيها الراغب في مؤاخاتنا الساعي وراء السواء الأعلى، هذا هو ماء النسيان، تجرعه لينسك جميع ما مر بك من الأدناس، والنقائص فتصير أهلاً لاقتبال الفضيلة، والحق والصلاح التي ستتشرف بنوالها الآن. ويشرب ثم يتقدم به إلى أماكن أشد ظلاماً وإرهاباً من ذي قبل فيزيد وجلاً، ثم ينبثق النور بغتة ويتنسم الهواء المنعش مفوحاً بالروائح العطرية ثم يسمع الترنيمات الموسيقية تضرب نغم الانتصار إشارة إلى انتصاره على تلك التجارب المهولة، ثم يلقن الأسرار المقدسة وتتلى عليه العلوم والمعارف، ويحسب ذلك الحين في عداد سعاة الكمال، ثم يرقى في سلك تلك الجمعية بموجب دستورها".
يتضح من تلك الرواية أنها محاولة الغرض منها اصطناع تاريخ للماسونية، والرواية تتضمن أكثر من عنصر، فهناك شخصية تطلب الانضمام إلى الجمعية، معرفة ما إذا كان الشخص خيراً أو شريراً، فضلا عن الاختبارات القاسية ثم المثول أمام الإله أو نائبه. ونفس تلك المراحل في التراث المصري القديم تمر بالمتوفى أثناء رحلته في عالم الموتى، وقد ذكرت في "كتاب الموتى" المصري القديم، الذي يحاسب فيه الشخص ويسأل عنه حتى يعرف ما إذا كان خيراً أو شريراً، ثم يمر باختبارات قاسية وصعبة، فإذا ما نجح فيها يمثل بين يدي الإله "أوزير"، ثم يرافقه "ابن آوى" أو أنوبيس الذي كان برأس كلب أو ابن آوى كأصل الرواية، وفى النهاية يجازى الشخص ويدخل العالـم الآخـر بنعيمه (الجنة).
ومن ناحية أخرى، رأى "أدولف إرمان" [1854-1937] وهو أحد علماء المصريات في كتابه "الديانة المصرية القديمة"، أنه في أعيـاد "إيزيس" و"سيرابيس" كانت توجد طقوس خفية، يقال أنها كانت تكنى بطريقة رائعة عن أفكار سامية مدهشة، ولكن هل كانت تلك الأفكار مثل الحرية الإخـاء والمساواة عند الفكر الماسوني؟! 
أما "إرمان" فيرى أن الناس في روما أقبلوا على العقيدة الجديدة في حماس، حتى أنه ليبدو أنها استولت على طوائف بأكملها من الشعب، وكأنها حركة دينية عامة، وإلا لما تيسر على الأقل فهم السبب الذي من أجله انتهى الأمر بالدولة أن ترى في عبادة "إيزيس" خطراً عليها. واضطهد ملوك الرومان تلك الديانة، فمثلا اضطهد "تيبريوس" بعد عام 19م عُبّاد "إيزيس" وصلب الكهنة ودمر معبدهم، كما ألقى تمثال الإلهة إيست في نهر التيبر.
وذكر "رأفت عبد الحميد" في كتابه "الدولة والكنيسة" أنه من بين عبادات الشرق العديدة التي حظيت باهتمام كبير من جانب الرومان على المستويين الشعبي والرسمي عبادة "إيزيس المصرية"، ولأجيال عديدة فإن الديانات ذات الأصل الشرقي كعبادة "إيزيس" والأم العظيمة "مثرا" قد أشبعت إلى حدٍ ليس باليسير الشعور الديني عند الرومان.
كما ذَكَرَ أن الغموض والأسرار الخفية في تلك العبادة ذات أثر في اجتذاب عدد كبير من المتعلمين والأميين على السواء إلى رواقها. أما الإلهة المصرية "إيزيس" فإنها عُبِدَت كأم عالمية تحب الخير للنوع الإنساني كله، وقـد عُبِدَ أيضا معها ذلك القرين "سيرابيس"، ولقيا انتباهاً خاصاً عند كل من التجار والملاحين الذين كانوا يُبشّرون بهذه العبادة في كل ميناء يحطون فيها رحالهم، وقد ساعد على انتشار عبادتها في الإمبراطورية ما انطوت عليه قصة هذه الإلهة من الحنو والرأفة، وما اختصت به طقوسها من الرقة والمرح الذي يسود هيكلها، ولترحيبها الشامل بالناس جميعا على اختلاف أممهم وطبقاتهم.

المراجع:
- وائل الدسوقي، الماسونية (2005: 249، 250).
- الموسوعة العبرية، ص 877.
- سعيد الجزائري، الماسونية ماضيها وحاضرها لغاية عام2000، ط2 (بيروت: دار الجيل، 1992)، 325.
- شاهين مكاريوس، الآداب الماسونية (1994: 525).
- المجلة الماسونية (عدد1، 10 نوفمبر 1920، السنة1)، 12.
- إريك هورنونج، وادي الملوك أفق الأبدية، ترجمة: محمد العزب موسى (القاهرة: مكتبة مدبولي، 1996)، 255– 259.
- محرم كمال، تاريخ الفن المصري (القاهرة: سلسلة صفحات من تاريخ مصر الفرعونية، مكتبة مدبولي، 1991)، 110، 111.
- أدولف إرمان، ديانة مصر القديمة، ترجمة: عبد المنعم أبو بكر، محمد أنور شكرى (القاهرة: مكتبة مدبولى، 1995)، 467- 489.
- رأفت عبد الحميد، الدولة والكنيسة، ج1، قسطنطين (القاهرة: 1975)، 18، 19.
- La Couture, J., Champelion, Une Vie de Lumières (Paris: Bernard Grasset, 1988), 15.
- Lichthim, M., Ancient Egyptian Literature, The old and middle Kingdoms, Vol. I (London: w.d), 30– 51.
- Witt, R.E., Isis in the Graeco–Roman World (London: 1971).