Responsive Ads Here

الأحد، 6 أكتوبر 2013

الخليج العربي ودوره في حرب أكتوبر 1973




بقلم: د. وائل إبراهيم الدسوقي ..
يعتبر قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين عام 1948 نقطة تحول حاسمة في التاريخ المعاصر للعالم العربي، فمنذ ذلك الوقت لم يعد الوجود العربي هو فقط السائد فيه، وإنما ظهر جسم غريب في القلب منه، بدعم من القوى الاستعمارية التي كانت تسيطر على الطرفين معا. وطوال العقود الأربعة التي تلت مولد الكيان الصهيوني، تشكلت الملامح السياسية والأولويات الأيديولوجية والمراحل التاريخية، سواء للعالم العربي كله، أو للوحدات المكونة له، طبقا لمقتضيات وتطورات المواجهة مع ذلك الكيان الصهيوني، قبل أي شيء آخر.
ومع تكرار الاعتداءات الصهيونية، وطبقا للقرب الجغرافي من الكيان الصهيوني انقسمت الدول العربية إلى دول مواجهة، مصر وسوريا والأردن، ودول مساندة، الخليج العربي والشمال الإفريقي، واستعد الجميع للمعركة كل في محله.
وبعد ظهر السادس من أكتوبر عام 1973، تناقلت وكالات الأنباء خبر اندلاع الحرب في الشرق الأوسط. وأعلن بيان عسكري في الإذاعة المصرية يؤكد أن كل من مصر وسوريا في حالة حرب مع الكيان الصهيوني وانه تحقق بعض التفوق لصالح العرب. وساد الصمت على الشارع العربي في الساعات الأولى من الحرب، فذكرى بيانات هزيمة 1967 لا تزال تلوح في الأذهان، إلا أنهم كانوا يأملون منذ اللحظات الأولى أن تكون تلك الحرب هي نهاية الآلام العربية.
وكانت مواقف جميع الدول العربية واضحة إزاء ما حدث، ولا يشوبها أي تأويل، خاصة دول الخليج العربي، فقد أعلن الشيخ "زايد بن سلطان آل نهيان" رئيس دولة الإمارات الراحل أن: "النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي"، وأن"كرامة العربي هي الأغلى والدم العربي هو الأشرف، ودونهما يرخص المال والثروة". وعلى الفور، قرر مجلس وزراء الدول العربية المصدرة للبترول (أوابك) في 8 أكتوبر 1973 البدء في خفض فوري للإنتاج بنسبة 5% شهرياً، وقطع إمدادات البترول العربي عن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية التي تساند العدو الصهيوني. وقامت المملكة العربية السعودية منفردة بخفض إنتاجها بنسبة 10% ثم إلى 18% قبل أن تعلن مع الإمارات والكويت والبحرين وقطر وقف تصدير البترول للولايات المتحدة الأمريكية.
وبعد أن تحقق للجيش المصري بعض النجاح في ضربته العسكرية ضد العدو الصهيوني في سيناء، كان الجميع يترقبون ردود الأفعال العالمية تجاه الأحداث، فتوالت البيانات الرسمية والإعلامية لتبدأ الصورة في الاكتمال، ليتضح مدى التأثير الذي تركته الضربة العسكرية المصرية السورية في النفوس.
وما أن احتدت المعارك على الجبهتين المصرية والسورية، حتى قررت حكومة البحرين تكوين لجنة خاصة للقيام بتنسيق كافة المعونات المالية والمادية الممكنة للدول العربية في معركتها مع إسرائيل. وذكر "جواد الراديد" وزير الدولة وقتها أن الشيخ "عيسى بن سليمان آل خليفة" بعث برسائل تأييد لكل من الرئيس المصري والرئيس السوري. وأعلنت الكويت انها ستعتبر أي تدخل من أية قوة عالمية ضد العرب في حربهم مع إسرائيل هجوما عليها.. كما أعلن رئيس الوزراء الكويتي أن القوات الكويتية المتمركزة على قناة السويس تشترك في المعركة، وأن روحها المعنوية عالية جدا. وأعلن "عبد العزيز حسين" وزير الدولة الكويتي أن الحكومة الكويتية قررت إرسال فريق طبي إلى كل من مصر وسوريا، وأنه تم وضع المستشفيات الكويتية في حالة طوارئ استعدادا لاستقبال أي من الجرحى المصريين أو السوريين. وأعلن أن الكويت تعتبر المعركة معركة كل الدول العربية، وسوف تعتبر أي تدخل من الدول الكبرى في الدول العربية عدوانا على الكويت.
أما العراق فقد استدعى وزير دفاعه جميع المكلفين والمتطوعين من مواليد عام 1946، من ضباط الصف والضباط والجنود إلى خدمة الاحتياط. وذكر راديو بغداد أن الوزارة طالبتهم بتسليم أنفسهم فورا خلال مدة أقصاها أربعة من تاريخ الاستدعاء.. كما دعى الحزب الشيوعي العراقي القوى العربية التقدمية آنذاك إلى تقديم كافة المساعدات الممكنة لكل من سوريا ومصر في حربهما مع إسرائيل.
وكانت دولة العراق قد أدخلت نحو 16,000 جندي عراقي تصاحبهم 100 دبابة ثقيلة إلى سوريا في اليوم التاسع للحرب، وصرحت الحكومة العراقية آنذاك أن قواتها تعرضت لهجوم طائرات الفانتوم الإسرائيلية على الحدود السورية، والتي واجهتها القوات بنصب صواريخ أرض جو متحركة، واستهدفت إحدى الطائرات المعادية وأسقطتها.
وفي اليوم العاشر للحرب صرحت قطر عقب الاجتماع الذي عقده مجلس الوزراء القطري برئاسة الشيخ "خليفة بن حمد آل ثاني" أمير الدولة، بأن المجلس اتخذ في هذا الاجتماع عددا من القرارات المهمة بشأن الموقف على الجبهتين المصرية والسورية، أهمها ضرورة مساندة الدولتين بكل الإمكانيات المادية والمعنوية من أجل التصدي للعدوان الإسرائيلي وتحرير الأرض المحتلة. وفي الوقت نفسه، قام أعضاء مجلس الأمة الكويتي بحث الحكومة على إرسال المزيد من القوات إلى أرض المعركة، واتخاذ كل الإجراءات الاقتصادية، التي من شأنها الانتقام من الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول التي تقدم الدعم لإسرائيل. وتقرر إيفاد وفد عسكري كويتي إلى دمشق لبحث سبل التعاون بين البلدين في المعركة.
ونشرت الصحف  في يوم 17 أكتوبر، أنباء عن طلب الملك فيصل ملك السعودية مقابلة "نيكسون" لمناقشة ما تردد من منح الولايات المتحدة لإسرائيل مساعدات عسكرية تؤمن لها بعض الاتزان في ساحات المعارك.. خاصة بعد أن ترددت أنباء حول إرسال واشنطن شحنات جديدة من طائرات الفانتوم لإسرائيل لتغطية ما فقدته خلال القتال.. كما نشرت الصحف في اليوم نفسه، أن الشيخ "خليفة بن زايد" نائب حاكم أبو ظبي، بدأ حملة لجمع التبرعات النقدية والعينية، كإسهام من مواطني الإمارات العربية في المجهود الحربي للمعركة الدائرة في مصر وسوريا. وافتتح وزير الصحة في أبو ظبي عددا من مراكز التبرع بالدم، كما افتتحت عدة مراكز مماثلة في جميع مدن الإمارات..
وفي الوقت الذي دخلت فيه الحرب أسبوعها الثاني، كانت دمشق تدافع باستماتة عن نفسها بعد أن تعرضت لقصف الفانتوم الإسرائيلية، فضلا عن حدوث معارك بين الطيران المصري والإسرائيلي فوق المدن المحيطة بقناة السويس.. وأصبح الموقف أخطر من ذي قبل، فقامت بعض الدول العربية وعلى رأسها دول الخليج العربي بإرسال مساعدات مادية وعينية لمساندة القوات السورية والمصرية في جبهات القتال ومساعدتها على الصمود..
ومع التفوق الواضح للقوات العربية على جبهات القتال، توالت البيانات من دول الخليج العربي، التي كانت فى مجملها مشجعة ومحفزة لمصر وسوريا بشكل كبير على الاستمرار في المواجهة بنفس الروح القتالية التي تسببت لإسرائيل في خسائر جمة. فها هو الرئيس العراقي "أحمد حسن البكر" يدعو إلى استخدام سلاح البترول بصورة أكثر فعالية، فالدم العربي بلا شك أغلى من البترول. وأصدرت السعودية بيانا مطولا عن موقفها من الحرب، وأعربت عن استعدادها للمشاركة في المعارك الدائرة، وأن الملك أمر بوضع كافة القوات السعودية بأقصى درجات الاستعداد للمشاركة في المعركة العربية الكبرى، وقد أرسلت بالفعل قوات سعودية لمشاركة القوات الأردنية في جبهتها، وكذلك الجولان السوري. وفي اليوم السادس عشر للحرب هددت السعودية بخفض انتاجها من البترول بنسبة 10% أخرى إذا ما قررت الولايات المتحدة إعادة تسليح إسرائيل، واتخذت كافة دول الخليج العربي حذو السعودية، وكانت الإمارات العربية المتحدة قد قامت فعليا بمنع تصدير بترولها إلى الولايات المتحدة، كذلك الكويت والبحرين. كما خفضت قطر من ميزانيتها للمساهمة في المجهود الحربي. واستمرت مساندة دول الخليج العربي لمصر وسوريا حتى بدأ التفكير في وقف إطلاق النار بعد واحد وعشرين يوما من القتال.
وفي النهاية، اتخذ مجلس الأمن قراره بوقف إطلاق النار على الجبهتين المصرية والسورية، وكان تعليق وزير الدفاع الكويتي آنذاك بأن بلاده ستتخذ قرارا رسميا بشان الموافقة أو الرفض بعد أن تجتمع كلمة الدول العربية حول قرار مجلس الأمن، وأن الكويت ستمتثل للإجماع. وأنهى ممثل السعودية في مجلس الأمن كلمته بكل وضوح، أن هذا القرار لن يحل شيئا، لأنه طالما استمر الظلم الذي يقترفه الصهيونيون، فستكون هناك حرب أخرى وأخرى... 

*    *    *
الصورة: القوة الكويتية المشاركة في المعركة على جبهة الجولان .. سوريا
المراجع:
-                 جمال حماد: المعارك الحربية علي الجبهه المصرية للواء اركان حرب..
-                 حمدي الطاهري: حرب أكتوبر في الإعلام العالمي..
-                 المجلة العسكرية للقوات المسلحة: عدد 226، يناير 1983..
-                 مذكرات الفريق سعد دين الشاذلي..
-                 مذكرات المشير محمد عبد الغني الجمسي..