Responsive Ads Here

السبت، 1 يونيو 2013

سيناء.. الصراحة والشفافية


بقلم: د. وائل إبراهيم الدسوقي ..

كنا مشغولين بمليونية الجماعات الإسلامية في يوم الجمعة 29 يوليو 2012، عدنا إلى منازلنا لنتناقش ونتشاجر حول ما حدث خلال اليوم وتجاهلنا يومها تماما ما حدث في سيناء، والذي كان استغلالا واضحا لانشغالنا جميعا في الخلاف حول ثوابت لا يمكن التنازل عنها تتعلق بمصير ومستقبل مصر السياسي.
في هذا اليوم استشهد خمسة من المصريين، من بينهم اثنان من ضباط الجيش والشرطة، حينما اقتحمت العشرات من السيارات رباعية الدفع والدراجات البخارية مدينة العريش المصرية. حاول راكبي تلك المركبات إثارة الذعر في المدينة بإطلاق النيران في الهواء وعلى المنازل، وأضفوا بلثامهم نوع من الغموض لدى السكان حول ماهية هؤلاء المعتدين عليهم، وخاصة أنهم توجهوا مباشرة إلى المباني الرسمية بالمدينة، وأشهرها مبنى الأمن للاستيلاء والسيطرة عليه. قيل يومها أنها سيارات تابعة لبعض الكتائب المسلحة في فلسطين، أما عن وسيلة دخولها من المعابر المصرية، فتلك قصة لا نريد الخوض فيها، لأنها تلقى أمامنا الكثير من الاحتمالات.
تناقشت يومها مع أحد أصدقائي الذي قال لي حرفيا "أنظر هذه هي النتيجة فبعد أن كنا نتعرض على مدار سبعين عاما لمحاولات الصهاينة للاستيلاء على سيناء، أصبحنا نخاف على أرضنا من الفلسطينيين، الذين حملنا قضيتهم على اكتافنا منذ بدايتها دون كلل". قدرت له خوفه فقد كان الإعلام يلقى الاتهامات على الجماعات الفلسطينية يومها بشكل مبالغ فيه. وتردد يومها اسم القائد الفلسطيني "محمد دحلان" بشكل كثيف أثناء تغطية الحدث، الذي أفشله أبطالنا من أهل سيناء بتعاونهم مع قوى الأمن آنذاك.
فطن ذهني إلى عدة تسائلات ساذجة، هل هي خطة إسرائيلية جديدة للاستيلاء على سيناء، بالإيحاء لبعض الجماعات بأنه من السهل عليهم عمل إمارة إسلامية فيها؟ فالأجواء مضطربة في البلاد، ويمكن على أي جماعة فرض سياسة الأمر الواقع. مما يجعل من السهل على إسرائيل الاعتراض على وجود المسلحين في سيناء، لأن ذلك يشكل خطرا على أمنها ومجالها الحيوي ويستلزم التدخل العسكري، وبذلك تفتح إسرائيل رقعة عملياتها، ونفاجأ بأن غزة أصبحت في المنتصف وتم ضمها للأراضي المحتلة، وبشكل حاسم. ومن ناحية أخرى هل هي خطة فعلية من تنظيم القاعدة كما أشيع بعمل إمارة إسلامية في سيناء؟ خاصة وأننا خلال شهر مايو 2011 تقريبا فوجأنا بالأخبار التي أعلنت عن إحباط الجيش محاولات لتمركز تنظيم القاعدة في سيناء.
أم أن الأمرين مرتبطين، فيكون وجود من أسموهم عناصر تنظيم القاعدة في سيناء، هو تمهيد لما حدث يوم مليونية الجماعات الإسلامية على الصعيد النفسي وليس العملي، حتى نربط بين الحدثين وما يتخللهما من محاولات لتفجير خط أنابيب الغاز الطبيعي في سيناء، ويغيب عنا الهدف الحقيقي.
إن حديثي ليس تخريفاً أو استنتاجات ليس لها أسس، فلقد فكرت كثيرا في هذا الحدث، الذي يجب الوقوف عنده، خاصة وأن حجم التسليح الذي شوهد مع المسلحين كان كبيرا، ومتطورا أيضاً، ولا يتوفر إلا مع جماعات منظمة، فقد كانوا يحملون أسلحة رشاشة وآر. بي. جي، وكذلك مدافع "جيرنوف" التي لا تتوفر مع الأفراد العاديين. ولن نقول كما يدعي البعض أن الإسلاميين المصريين لديهم رابط مع ما حدث، خاصة وأنه تزامن مع محاولاتهم لاستعراض القوة في ميدان التحرير بالقاهرة، فتخوين أي فصيل مصري أمر مرفوض وغير مقبول، حتى وإن اختلفنا في الطريقة أو الهدف. ولكن ألا يدع ذلك كافة الفصائل السياسية المصرية للوقوف على الحدث والتفكير فيه مليا.
إن طفل صغير سيعلم ويتأكد أن هناك يدا لقوة ما ترغب في زعزعة الاستقرار في مصر خلال تلك الفترة الحرجة، ما هي؟ ولماذا تفعل ذلك بتلك الطريقة؟ البعض يقول إسرائيل، والبعض يقول القاعدة، وبعض الناس يقولون أنها خطة لإحداث حرب أهلية في مصر. إن ما حدث في العريش هو إشارة وإنذار إلهي للمصريين، أن تكاتفوا واتحدوا وحققوا ما خرجتم من أجله وناضلتم في سبيله، حتى لا تكون تلك المرحلة هي فرصة لمن يتربص بكم لتحقيق ما خطط له.
إن ما حدث ليلة الجمعة 29 يوليو 2011 في سيناء من محاولات للاستيلاء على مدينة مصرية، وادعاء أنهم يريدون تكوين إمارة إسلامية بها، يؤكد أن اعدائنا يلعبونها ببراعة، ففي عز الخلاف السياسي بين الإسلاميين والليبراليين تحدث تلك الواقعة التي تزيد من الشحن وتشق الصف الوطني أكثر وأكثر. إن تلك الواقعة يفهم أهدافها طفل في المهد، فما بالكم بالعقلاء الكبار...
إلى هنا انتهى المقال الذي ما أن انتهيت منه حتى مزقته خوفا من أن يتسبب حديثي في إثارة أي ضغائن بين أطياف الأمة آنذاك. ولكن ومع تجدد الأحداث في سيناء، ومع تأكدنا من شكوكنا حول الرغبة الملحة لدى البعض في اقتطاع جزء مهم من أرض بلادنا والاستيلاء عليه بقوة السلاح، آثرت نشره لكي يتأكد القارئ بأن المسألة ليست وليدة اليوم، ولكنه تخطيط مدبر منذ فترة طويلة، يحاولون تنفيذه مرة بعد مرة، ويساعدهم في ذلك تلك السياسة الخاطئة التي تتعاطى بها السلطة الحاكمة مشاكلها.

نحن نطلب فقط بعض الصراحة والشفافية، ومصارحة الأمة بحقيقة الموقف في سيناء، ومدى نجاح السلطة الحاكمة أو فشلها في معالجة الأزمة، إنها سيناء التي ضحى من أجلها آلاف المصريين بأرواحهم، إنها سيناء التي عانى أهلها الأمرين حتى بعد تحريرها. سيناء التي كان أهلها سند قوي لمصر في ثورتها ضد نظام مبارك وكان أملهم رفع الظلم عنهم، فإذا بهم يُظلمون ويُقهرون أكثر من ذي قبل.. سيناء التي لن نسمح بضياعها ولن نسامح من يتسبب في ذلك.. إنها سيناء يا سادة.

نشر في البديل الإليكتروني يوم 6 نوفمبر 2012