
بقلم: د. وائل إبراهيم الدسوقي ..
جذب ساحل الخليج العربي في الماضي فريقا من أهل صحراء الكويت الفقراء للإقامة بعد أن قرروا ترك الداخل الصحراوي، وعلى الرغم من محاولات البيئة الصحراوية مرارا وتكرارا أن تصب جام غضبها عليهم برياحها ورمالها، إلا أنهم صمدوا في وجه غضباتها، وتمسكوا بتلك البقعة التي اختاروها لمعيشتهم. وكانت الكويت محرومة حرمانا قاسيا من المياه العذبة والنباتات، ولذلك ولى الكويتيون وجوههم شطر الخليج بهدف فك حصار الصحراء، فبرعوا في بناء السفن والمراكب واحترفوا الغطس خلف اللؤلؤ، حتى تم اكتشاف النفط في أراضيها، وتهافتت الشركات العالمية للحصول على عقود التنقيب منهم.
في الفترة من عام 1921 وحتى 1932 أظهرت شركة إنجليزية تعمل في مجال التنقيب عن النفط اهتماما كبيرا بالكويت، وبدأت في محاولات الحصول على امتيازات للعمل فيه، فاعترضت الخارجية الأمريكية رسميا وبدأت مباحثاتها مع بريطانيا والتي انتهت إلى اتفاق شراكة أمريكي إنجليزي كويتي، تأسست بموجبه "شركة بترول الكويت"، ومن ذلك التاريخ أصبح الكويت في بؤرة الاهتمام الغربي. وبحسب قول "جان جاك بيريبي" في كتابه عن الخليج العربي، فإنه في ظرف عشر سنوات لا غير، انهالت على هذا البلد الفقير ثروة لا تقدر ولا يحصيها حساب صبت في خزائنه، بعد أن تدفق البترول غزيرا من آباره. وهكذا وفي هذه الحقبة القصيرة التي لا تقاس في حياة الأمم غيرت هذه الثروة معالم الحياة كلها في الكويت الجديد.
ولم يكتف أهل الكويت بتضخم ثرواتهم فقط، بل اقترنت الإصلاحات الاقتصادية بإصلاح سياسي مهم، وقدم بعض الكويتيون عرائض للمطالبة بإنشاء مجلس للشورى، وعندما تأسس تم اختيار الشيخ "أحمد الجابر الصباح" ليصبح أميرا للكويت، والذي قام مع أخوته باستثمار أموال تصدير النفط في تطوير الخدمات التعليمية والصحية في بلاده، وشيدوا القصور والمستشفيات والمعاهد التعليمية ومعامل تحلية المياه في أنحاء الكويت، وقاموا بنشر الثقافة وإيفاد البعثات التعليمية إلى مصر والعراق وغيرها.
وانعكس هذا التطور السريع للكويت في خمسينيات وسيتينيات القرن العشرين على علاقاته مع كل إمارات الساحل المتصالح، وقد كان شيوخه آنذاك يقومون بمباحثاتهم في سبيل الوحدة، إلا أن الكويت أخذ جانب استقلالي في إدارة شئونه، لكنه لم يفصل نفسه عن جيرانه وساهم في ترجيح كفة الوحدة ونبذ الخلافات بين الشيوخ أثناء المحادثات.
وبين الكويت والإمارات علاقة ذات طابع خاص، فمنذ تعيين سمو الشيخ "صباح الأحمد الجابر الصباح" (أمير الكويت الحالي) وزيرا للخارجية ورئيسا للجنة الدائمة لمساعدات الخليج العربي عام 1963، كان الكويت خير سند لنهضة الإمارات الحديثة، وفي عام 1969 كان لحكومة الكويت دورها المهم في المجال التعليمي بالإمارات، فقد أنشأت حوالي 43 مدرسة عمل فيها ما يقرب من 850 مدرسا. وكانت كتب الدراسة مطبوعة في الكويت وتحمل صور أميرها، وقد ظلت معتمدة في الإمارات لمدة طويلة بعد قيام الإتحاد. وعندما عهدت إلى الشيخ "صباح الأحمد" وزارة الإعلام إلى جانب الخارجية عمل على إنشاء محطة للإرسال الإذاعي في الشارقة من أجل بث الإرسال الإذاعي في جميع الإمارات، واهتم بإنشاء محطة إرسال تلفزيوني في دبي. بالإضافة إلى المستشفيات التي شيدت قبل قيام الاتحاد، وما زال أبناء الإمارات يتذكرون إسهام الكويت في حفر خور دبي.
ولزيادة أواصر الصداقة والتعاون قررت الإدارة السياسية في كل من الإمارات العربية المتحدة والكويت الدعوة إلى تأسيس مجلس التعاون الخليجي عام 1976، لعمل كيان خليجي يهدف لتحقيق التعاون لخلق دول خليجية عصرية متطورة.
واستمرت العلاقات بين البلدين على قوتها حتى خرج العديد من الكويتيين من بلادهم في أعقاب الغزو العراقي لها، فقام الشيخ "زايد بن سلطان آل نهيان" رحمه الله باستقبال 66 ألف كويتي، وأمر بتوفير السكن لهم، ومنحهم مساعدات مالية، بالإضافة إلى إعفائهم من دفع أي رسوم للعلاج الطبي.
لقد كانت العلاقة بين الإمارات والكويت دوما تسير وفق مبادئ وتقاليد ورثها شيوخ الخليج العربي عن أجدادهم، لخصها الشيخ "عبد الله السالم الصباح" الذي تولى مهام الإمارة في الكويت عام 1950، حينما سألوه: كم من الوقت ممكن أن يدوم هذا الحكم؟ فأجابهم: إن المهم هنا في الشرق الأوسط أن يكون المرء محبوبا..