
بقلم: د. وائل إبراهيم الدسوقي ..
حتى لا تختلط الأوراق عند البعض حول أصل تنظيم القاعدة، والدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)ISIS فإن لهذين التنظيمين جذورا يجب أن يعرفها الجميع، وفي هذا المقال البسيط نحاول عرض بعض المعلومات الخاصة بالتأسيس..
أولا: داعش...
بعيدا عن تكهنات البعض حول حقيقة وجنسية خليفة الدولة الإسلامية "أبو بكر البغدادي". فإن له أصول معروفة منذ وقت طويل وإن غاب اسمه طويلا لهدف ما، حتى تم إعلانه بعد أن تفجرت الاحتجاجات على الحكومة العراقية والسورية في السنوات القليلة الماضية..
في عام 2004 شكل الأردني "أبو مصعب الزرقاوي" تنظيمه الذي أطلق عليه اسم (جماعة التوحيد والجهاد)، ومن ثم أعلن البيعة لتنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن، وقد أطلق عليه إعلاميا اسم "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين". وبعد مرور عامين على تأسيس الجماعة قرر الزرقاوي في عام 2006 تأليف "مجلس شورى المجاهدين"، وأعلن ذلك في تسجيل بثته وسائل الإعلام المختلفة، وكان المجلس بزعامة "عبد الله رشيد البغدادي"...
وبعد تأسيس مجلس شورى المجاهدين بأيام اغتيل الزرقاوي، وخلفه "أبو حمزة المهاجر"، وأصبح مصير التنظيم في العراق بين يديه. وسرعان ما تقرر توحيد كل التنظيمات الجهادية بالعراق في كتلة عسكرية واحدة سميت الدولة الإسلامية في العراق، وأصبح الهدف المعلن لها هو مقاتلة الأمريكان في العراق، وكان ذلك في نهاية عام 2006.
تزعم الدولة الإسلامية في البداية "أبو عمر البغدادي"، الذي قتل في عام 2010، أثناء مهمة قتالية للقوات الأمريكية بمنطقة الثرثار، وكذلك خلفية الزرقاوي "أبو حمزة المهاجر"... وسرعان ما انعقد مجلس شورى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، وتقرر اختيار أبي بكر البغدادي أميرا للدولة الإسلامية منذ منتصف عام 2010..
بعد تفجر ثورات الربيع العربي في سوريا واضطرار الشعب لحمل السلاح كي ينال حريته من نظام الأسد، وفي منتصف عام 2012 بدأت تتشكل كتائب كان قادتها بعض المفرج عنهم من قيادات القاعدة في السجون العراقية والسورية بعد قرارات العفو الرئاسي بالبلدين، والتي ضمت مئات المجرمين الجنائيين الذين سرعان ما سمعنا أسمائهم كقادة ألوية إسلامية ترفع شعارات الدولة الإسلامية، ومن ثم بدأت تتبلور فكرة جديدة في أذهان تلك الكتائب وهي ضرورة مد أذرعها ما بين العراق والشام لتشكيل دولتهم المستقبلة، وتقرر في عام 2013 في بيان مسجل ضم جبهة النصرة السورية لتنظيم الدولة الإسلامية بالعراق لتأسيس (داعش) أو الدولة الإسلامية بالعراق والشام، إلا انه وبعد فترة نفت جبهة النصرة علاقتها بالتنظيم وأعلنت تأييدها لتنظيم القاعدة في أفغانستان..
ومع سلسلة النجاحات التي حققتها داعش واقعيا على الأرض ضد الحكومة السورية والعراقية بل وضد تنظيمات الجيش الحر في سوريا وجبهة النصرة، علمانيون وسلف وإخوان، أصبحت أملا لكافة التنظيمات الإسلامية المسلحة في ليبيا ومصر وتونس وكافة البقع الساخنة في تشكيل الدولة الإسلامية الكبرى، وأصبحوا يتسابقون في إعلان الولاء إسميا لتنظيم الدولة الإسلامية، الذي وحتى الآن لا يزال يحتفظ بتمسكه بأيديولوجيته وبقعته الجغرافية المأمولة لتأسيس الدولة الإسلامية دون النظر باهتمام لكافة أعمال الجماعات المسلحة الأخرى، حتى وإن أعلنت الولاء، بل واستغلال ذلك في خلق حالة رعب ترسخ لجذوره في أرض مروية بدماء الأبرياء...
ثانيا: القاعدة...
بعض الناس لا يعرفون كيفية تأسيس تنظيم القاعدة وتكوينه، ويمكننا في سطور قليلة تلخيص تاريخ تأسيس هذا التنظيم الذي دام لسنوات طويلة حتى وصل إلى الشكل الراهن.
في 27 أبريل 1978 قام حزب الشعب الديمقراطي بإعدام رئيس الوزراء الأفغاني "محمد داود" مع عائلته، ونصب "نور محمد تراقي" سكرتير الحزب رئيسا للمجلس الثوري ورئيسا لوزراء جمهورية أفغانستان الديمقراطية الجديدة، وخلال أول شهور من الحكم قام الحزب بعمل برنامج أصلاحي ماركسي، كان أهم بنوده بعض التعديلات على عادات الزواج بما يخالف الشريعة وتقاليد الشعب الأفغاني، وعارض ذلك البرنامج بعض المثقفين من أنصار الحفاظ على التقاليد، فالدولة حديثة منفتحة لا تحتاج لبرامج من هذا النوع يمكنها ان تهدد السلم الاجتماعي. وكان جزائهم الاضطهاد والقتل والسجن والنفي..
لم يحتمل الشعب الأفغاني ذلك القمع فقامت بوادر ثورة في نهاية عام 1978 في نورستان، وعمت الفوضي البلاد بما يشبه حربا أهلية. وفي سبتمبر 1979 أطلق الرصاص على القصر مما أدى إلى اعتلاء نائب رئيس الوزراء "حفظ الله أمين" السلطة، والذي سرعان ما انقلب على الجميع وأدت سياسته إلى اشتعال الموقف أكثر.
بدأ التدخل الدولى في أفغانستان للاستفادة من الموقف المشتعل، وكان التدخل باردا في البداية بين جهازي المخابرات الأمريكي والسوفيتي، ثم تحول الأمر فجأة إلى قرار الكرملين بالتدخل العسكرى لنصرة الحكومة ضد الثورة، فما كان من أمريكا إلا أنها ردت بدعم الثورة ولكن بطريقة شيطانية..
وبعد أن كانت ثورة عادية ضد التدخل الشيوعي في بلاد اتسمت بإسلام معتدل وسطي، وكان الشعب فيها يعيش بتقاليد ورثها عن أجداده ويتطور مع العصر الحديث بشكل كبير، بدأت الأمور تتحول تدريجيا إلى نهج مقاومة الشويعية من منظور إسلامي بحت، فمدت الحركات الجهادية الإسلامية أيديها لأمريكا لتأخذ منها ما يمكنها أخذه من دعم عسكري ومالي، لدرجة أن أمريكا ضحت بمنظومة صواريخها الدفاعية ستينجر لدعم الأفغان ضد الطيران السوفيتي.
استمرت الحرب عشر سنوات حتى انتهت فى بداية 1988 وانسحب السوفييت تدريجيا حتى نهاية عام 1989، وسرعان ما بدأت الخلافات بين الفصائل المجاهدة تطورت إلى حروب فعلية بينها, ومع الوقت خفت يد الأمريكان عن الفصائل وانتهى دعمها لها، بل أن بعضها خاصة الفصائل العربية بدأت في خطاب معادي لأمريكا.. ومع تنامي تلك الفصائل التي عاد أفرادها إلى بلادهم الأصلية التي كانت تنتهج نهجا قمعيا تجاه الإسلاميين بشتى أنواعهم، تقرر جمع كافة الحركات الإسلامية في كيان واحد، جمع أشلاء التكفيريين وبقايا الإخوان المسلمين الذين تشتتوا من الحقبة الناصرية وبعض الجماعات الجهادية من كافة الدول العربية، وبدعاوى مجهولة إلى الجهاد نشأت من باطن أجهزة مخابرات الدول العربية نفسها، بدأ هؤلاء إلى النزوح إلى أفغانستان مرة أخرى.. ومنهم تأسس تنظيم القاعدة.
كان من أبرز الراحلين إلى أفغانستان الفلسطيني "عبد الله عزام" أحد أعضاء الإخوان المسلمين البارزين، والذي قام بعمل مكتب خدمات على الحدود الأفغانية، وكانت مهمته تنظيم دخول الوافدين إلى أفغانستان, ولا يخفى على الجميع زياراته المتعددة لأمريكا التي كان يجمع من جاليتها الإسلامية التبرعات. وكان عزام يلقب بأمير المجاهدين العرب، فقد أنشأ في حقبة الحرب الأفغانية السوفيتية مراكز لتجنيد المتطوعين للجهاد، ورأى أن القتال ضد السوفييت خطوة صغيرة لخطوة أكبر هدفها إعلان دولة إسلامية على أنقاض الحكومات العربية، وكان يعونه في ذلك الثري السعودي "أسامة بن لادن".
كان من أبرز الأسماء التي ذهبت للجهاد في أفغانستان المصري "أيمن الظواهري" عضو سابق في جماعة الإخوان المسلمين قطبي المذهب ومؤسس جماعة الجهاد الإسلامي، والذي تقرر عدم إعدامه بعد اغتيال السادات.
كان يغلب على المجاهدين الذين عادوا إلى أفغانستان وهم كبير بأنهم من قهروا السوفييت داخل أفغانستان، وتجاهلوا ما فعله الأمريكان لهم من دعم ومؤازرة ومساعدات مالية وعسكرية بالسلاح أو بالأفراد أحيانا. مما جعلهم يحلمون بتنظيم إسلامي كبير يسعى للسيطرة على بلاد العرب وأعوانهم من بلاد الكفرة من وجهة نظرهم.. ولاختلاف وجهات النظر، دب الخلاف بين جماعة الإخواني عزام والقطبي أيمن الظواهري، ففيما كان الظواهري يرى أن الحكومات العربية وأمريكا يجب أن تكون الهدف التالي كان عزام يرى أن فلسطين يجب أن تكون قبلة المجاهدين، وقد بدأ بالفعل بالإعداد لذلك من خلال تدريب عناصره في أفغانستان وباكستان استعدادا لإرسالهم إلى فلسطين للقتال ضد إسرائيل، فاشتد الخلاف مما أدى إلى رفض أنصار الظواهري الصلاة خلف عزام، واستطاع الظواهري استقطاب بن لادن وكسب معركته مع عزام، الذي تم اغتياله في بيشاور مع نهاية عامم 1989.
وفي بداية عام 1990 تم الإعلان عن اكتمال تأسيس تنظيم القاعدة، الذي ضم بقايا كافة الجماعات والتنظيمات الإسلامية المستهدفة في كل بقاع العالم، لينقلب السحر على الساحر.